Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
8 avril 2013 1 08 /04 /avril /2013 18:22
لماذا تفشل السوق الحرة؟

* تم نشر المقال لأول مرة في 19 يناير 2012 بموقع منظمة البديل الاشتراكي في أستراليا.

في أعماق أسوأ أزمة اقتصادية على مدار سبعين عاماً على الأقل نواجه مشكلة عجيبة؛ عندما يبدو أن السوق قد سقطت مصداقيتها تماماً في أعين الإنسانية، نرى إجماعاً في أوساط رجال السياسة وأساتذة الاقتصاد ورجال الإعلام على أن السوق هي أفضل النظم الممكنة لإدارة حياتنا. وسواء تعلق الأمر ببيع الأصول المملوكة للدولة، أو الاعتداء على النقابات، أو رفع الإيجارات السكنية أو تخفيض المعاشات، فإن "السوق" هي الورقة المقدمة لنا كأساس لهذه القرارات.

السوق – بتعريف نجومها – تضمن الأسعار المنخفضة والابتكار التكنولوجي وقدرة المستهلك على الاختيار والقضاء على مشكلات نقص السلع إذا حاولت الحكومة تثبيت الأسعار أو رفع الحد الأدنى للأجور أو فرض السيطرة على الإيجارات.

يزعمون أن الإنتاج يتم طبقاً لـ "قانون العرض والطلب". الطلب يعتمد على اختيارات الأفراد، إذ يفضلون بعض الأشياء على غيرها، وهو ما يتبين من طريقة إنفاقهم للنقود. العرض يعتمد على تكلفة إنتاج السلع، أي تكلفة تشغيل العمال واستخدام الأدوات التي يعملون بها. ويتم إنتاج شيء ما كلما أصبح عدد كبير من الناس على استعداد لدفع ثمنه بما يعادل التكلفة اللازمة لإنتاجه.

يمكن تحضير رسوم بيانية عظيمة بناء على هذه النظريات. المشكلة أن هذه الرسوم البيانية لا تفسر شيئاً في حقيقة الأمر بما أنها لا تفسر من أين يأتي العرض والطلب في المقام الأولى. على جانب الطلب، لا تفسر الرسوم البيانية سبب أن رغبة بعض الناس (ملاك الأراضي الأغنياء والمليونيرات أصحاب الأملاك أو رؤساء الشركات الصناعية المخصخصة) تتحول إلى "طلب فعال"، أي طلب يدعمه توفر النقد، بينما احتياجات الناس الآخرين (العاطلين وأصحاب الدخول المنخفضة والجوعى في أفريقيا وأمريكا اللاتينية) يتم تجاهلها. على جانب العرض، لا تفسر الرسوم البيانية سبب عدم إنتاج السلع المطلوبة بشدة، بينما تتوفر الموارد اللازمة لإنتاجها بوفرة.

الشيء الوحيد الذي يمكن لاقتصاديي السوق أن يقولوه هو أن بعض الأشياء تُباع وبعض الأشياء تُشترى في هذه اللحظة، دون أن يقولوا إن بعض الأشياء تُنتج ولا يُنتج غيرها أو لماذا بعض الناس أغنياء وبعضهم فقراء، أو لماذا تتراكم بعض السلع دون أن يشتريها أحد أو يحتاجها أحد. لا يمكن لاقتصاديي السوق أن يخبرونا عن سبب رواج السلع بعض الأحيان وكسادها في أحيان أخرى. لهذا أخفق أغلب رجال الاقتصاد في التنبؤ بالأزمة الاقتصادية العالمية في الثلاثينات ولهذا يتنبؤون الآن بأن اقتصاد العالم سيتعافى بينما الأدلة تشير إلى الاتجاه المعاكس.

التنافس والأزمة

التنافس من خصائص اقتصاديات السوق الحرة الأساسية. من المفترض أن يكون التنافس هو الدافع وراء إحداث التوازن بين العرض والطلب. هناك بذرة حقيقة فيما يشير إليه رجال اقتصاد السوق – فالتنافس يحقن بعض الحراك في النظام. لكن هذا الحراك هو الذي يجعل النظام لا إنساني، وعرضة للأزمات المتكررة. دعوني أوضح.

التنافس يحرك ملايين الرأسماليين حول العالم لتحسين مؤسساتهم وآلاتهم دائماً ويدفعهم إلى زيادة "إنتاجية" العامل (في الواقع، استغلال العامل) مما يؤدي لتراكم الأرباح التي تجعل التحسين ممكناً.

في عالم عاقل، فإن دخول معدات تقلل من الأيدي العاملة أمر يؤدي بشكل تلقائي إلى ارتفاع معدلات المعيشة وتقليل ساعات العمل. لكن ليس في ظل الرأسمالية، حيث كل مؤسسة عاقدة العزم على تقليص نفقاتها لكي تبقى في السوق، وهو ما يعني محاولة التقليل من مستوى معيشة العمال.

كما أن التنافس الأعمى بين الرأسماليين يخلق دائماً ظروف تهدد بإلقاء النظام بأكمله في غياهب الفوضى. إنتاج الشركات المتنافسة مرتبط بالسوق. لا يمكن لرأسمالي واحد أن يستمر في الإنتاج ما لم يبيع سلعه. لكن القدرة على البيع تعتمد على إنفاق الرأسماليين الآخرين – تعتمد على ما ينفقونه بشكل مباشر على السلع (كماليات ومعدات لمؤسساتهم الإنتاجية) وعلى الأجور التي يتم دفعها للعمال (الذين ينفقون بعضها بدورهم). لكن هؤلاء الرأسماليون لا يمكنهم الإنفاق ما لم يبيعوا سلعهم.

السوق تجعل الإنتاج في أحد أجزاء النظام معتمد على ما يحدث في باقي أجزاء النظام. إذا انكسرت سلسلة البيع والشراء في أية نقطة، يمكن أن يبدأ النظام بأكمله في التوقف في بطء. الأزمة الاقتصادية هي نتيجة هذا الأمر. الحق أن نقص التنسيق بين المنتجين حول ما ينتجونه – مع محاولة كل منهم إقصاء خصومه في سباق التنافس المحموم، أو ما يطلق عليه ماركس "فوضوية السوق" – يعني أن الأزمة ودورة الازدهار والكساد الأوسع، من السمات الأصيلة في الرأسمالية.

من ثم وعلى سبيل المثال، يمكن لمنتجي السيارات أن يقرروا توسيع إنتاجهم، دون أن يكون هناك في نفس الوقت أي داعي للتوسع عند المؤسسات التي تنتج المعدن لتصنيع السيارات أو المنشآت الماليزية التي تنتج المطاط للإطارات. بنفس الطريقة، يمكن أن تبدأ المؤسسات الإنتاجية في تشغيل عمال مهرة، دون أن يوافق أي منهم على عمل التدريب اللازم لزيادة إجمالي عدد هؤلاء العاملين المهرة.

المهم لأي مؤسسة إنتاجية هو تحقيق أكبر مكسب ممكن في أسرع وقت ممكن. لكن الركض المحموم قد يؤدي بكل سهولة إلى استخدام كل المعروض من مواد خام ومكونات، وعمالة ماهرة، وتمويل للصناعة.

في كل فترة ازدهار تمر بها الرأسمالية، هناك نقطة تزيد عندها معدلات النقص في المواد الخام ومكونات الإنتاج والعمالة الماهرة والتمويل. تبدأ الأسعار وأسعار الفائدة في الزيادة، وهو ما يشجع بدوره العمال على التحرك لحماية مستواهم المعيشي.

تؤدي فترة الازدهار بالضرورة إلى زيادة التضخم. والأخطر على الرأسماليين، زيادة الأسعار السريعة قد تقضي على أرباح بعض المؤسسات وتجبرها على إشهار الإفلاس. السبيل الوحيد أمامهم لحماية أنفسهم هو تخفيض معدلات الإنتاج، أو التخلص من العمال وإغلاق المؤسسات بالكامل. لكن حتى يفعلوا هذا، فهم يدمرون السوق الخاصة بسلع مؤسسات أخرى. تتحول فترة الازدهار إلى انحدار.

فجأة تجد ما يُسمى "الإنتاج الزائد". تتراكم السلع في المخازن لأن الناس غير قادرة على شرائها. العمال الذين انتجوها يصبحون بلا عمل بما أنه لا يمكن بيع هذه السلع. هذا يعني قلة قدرة الشراء عند العمال، وتصبح كمية "الإنتاج الزائد" في النظام بشكل عام أعلى بكثير. هذه الأزمات تدمر حياة الملايين من البشر في شتى أنحاء العالم.

اقتصاديات السوق الحرة والأزمة

رغم الدمار والخراب الذي لحق بحياة الناس بسبب الأزمة الرأسمالية، فإن أغلب رجال الاقتصاد حاولوا التظاهر بأن الأزمة لم تحدث. يزعمون أن "اليد الخفية" للسوق تضمن بشكل تلقائي بيع أي سلعة تُنتج، وأن "العرض" يساوي "الطلب". أسعار السلع – على حد قولهم – هي مؤشر يخبر الرأسماليين ماذا ينتجون.

هذه النظرية مليئة بالثغرات.

"مؤشرات الأسعار" لا يمكن أبداً ربطها بالمُنتج وبالطلب، أو بالبيع والشراء أو بالإنتاج والاستهلاك بهذه البساطة. الإنتاج هو دائماً عملية تستغرق وقتاً. "مؤشرات الأسعار" لا تخبرك بما هو مطلوب عندما تنتهي عملية الإنتاج، بل بما هو مطلوب قبل أن تبدأ.

هذا العامل الزمني يؤي إلى مشكلات كبرى. فالإنتاج الصناعي لا يبدأ قبل شهور من الاستهلاك النهائي. بل هو يعتمد على ضخ استثمارات هائلة في بناء المصانع ونصب الآلات على مدار عدة أعوام. بما أن هناك "سوق حرة" لا يمكن أن يحدث تنسيق بين المؤسسات المتنافسة. من ثم فإن التبديل في "الإنتاج الزائد" و"الطلب الزائد"، بين الانحدار والازدهار، هو أمر حتمي. الواقع أن في العالم الحقيقي، إذا تم بلوغ توازن بين الإنتاج والاستهلاك، فهو لا يحدث نتيجة توازن هادئ وناعم وفعال بين العرض والطلب، بل بسبب تصدع عنيف، أي حدوث أزمة اقتصادية.

في نهاية المطاف تؤدي الأزمات إلى فترات ازدهار جديدة، إذ تؤدي الأزمة إلى انخفاض أسعار المواد الخام والرواتب وأسعار الفائدة، مما يشعل شرارة موجة استثمارات جديدة، لكن في هذه الأثناء يعاني ملايين الناس أيما معاناة. كما أنه ومع مرور الزمن، يزداد تدهور فترات الأزمات، لأن معدلات الربح – القوة المحركة للاقتصاد الرأسمالي – تميل للانخفاض. هذا يعني أن الرأسماليين يصبح حافزهم للاستثمار في المعدات أو العمال أقل، مما يزيد من معدلات البطالة ويؤدي إلى انخفاض معدلات النمو على المدى البعيد.

هناك بديل

جميع زعمائنا يقولون لنا إنه لا بديل عن السوق. إنهم مخطئون. "السوق" ليست رباً علينا أن نخر له ساجدين. البشر عندهم القدرة على السيطرة على سبل إنتاج الثروة وإخضاعها لقراراتهم. ليس علينا أن نتركها لآليات السوق العمياء. التقنيات الجديدة والتكنولوجيا المتوفرة اليوم عندها القدرة على تسهيل هذه السيطرة. عمليات الإنتاج المميكنة قادرة على منحنا فترات راحة أكبر، ووقت أطول للإبداع وفرصة أوسع لتأمل إلى أين يتجه العالم. يمكن أن يمدنا انتشار الحواسب الآلية بمعلومات لا مثيل لها عن المصادر المتوفرة لإشباع احتياجاتنا وكيف نوظفها بشكل فعال.

لكن هذا البديل لا يمكن أن يأتي من داخل النظام. هو لن يتحقق إلا بالكفاح ضد النظام ومقاومة الآثار الكارثية لمنطق هذا النظام على حياة جموع الناس

Partager cet article
Repost0

commentaires