Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
25 février 2013 1 25 /02 /février /2013 09:05
تقرير: 1.5 مليون خارج العمل بسبب الأحداث

في حلب - رويترز


كشف تقرير صدر مؤخراً عن "المركز السوري لبحوث السياسات" ارتفاع معدل البطالة في سورية بشكل قياسي خلال الأزمة ووصل إلى 34.9% مع نهاية 2012 بزيادة تقدر بـ24.3 نقطة مئوية (من10.6% إلى 34.9%).
وبلغ تعداد العاطلين عن العمل بسبب الأزمة نحو 1.5 مليون سوري (1.468) يعيلون حوالي 6 مليون شخص (6.06 مليون) معظمهم من فئة الشباب.
وأشار التقرير إلى زيادة الفقر في سورية بشكل كبير "دخل 3.1 مليون شخص دائرة الفقر العام، منهم 1.5 مليون دخلوا دائرة الفقر الشديد" وتختلف خارطة الفقر ومعدل البطالة من منطقة إلى أخرى بحسب سخونة الأحداث التي تشهدها، ولاحظ التقرير أن معظم الذين فقدوا أعمالهم هم من الشباب. 
وأرقام رسمية.. 
كما تشير أرقام مكاتب الشغيل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لطلبات الحصول على وظيفة، بحسب الإحصائيات الرسمية للعام الماضي حوالي مليون ونصف المليون طالب للعمل وفقاً لما نشرته إحدى صحف الحكومية.
ففي محافظة حلب بلغ العدد 226652 مسجلاً بالأرقام بينهم 19198 جامعات و69968 معاهد وثانوية عامة و74196 عاملاً عادياً و15032 مهنياً و23041 مسجلاً يحمل الشهادة الإعدادية.
وتأتي حمص في المرتبة الثانية من حيث عدد المسجلين بواقع 187167 مسجلاً، جلهم يحملون الثانوية العامة أو هم عاملون عاديون، تلتها اللاذقية بـ 172654 مسجلا، ثم حماة بـ 168232 مسجلا بعدها دمشق بـ 137290 مسجلا واحتلت المركز الأخير محافظة القنيطرة بـ 14034 مسجلاً.
وتشير المعلومات-بحسب الصحيفة الرسمية - أنه يبلغ عدد الذين تم تعيينهم من هؤلاء 10421 من حملة الإعدادية و11603 مهنيين و11241 سائقاً و24731 عاملاً دائماً في دمشق.
أي ما مجموعه تقريباً 58 ألف من أصل 1.5 مليون عاطل عن العمل.


اقتصاد
 
Partager cet article
Repost0
23 février 2013 6 23 /02 /février /2013 09:34
رسائل موحده من تنسيقيات اللجان في سوريا
استمر الحراك السلمي في سوريا لمدة طويلة أظهر خلالها الشعب السوري وجهاً حضارياً, وحباً لوطنه, شجاعة أذهلت العالم أجمع, واستعداداً للتضحية من أجل ان يصبح حراً وعادلاً وديمقراطياً, يضمن المساواة والكرامة لجميع مواطنية.
 
لكن النظام الوحشي, والذي لم يتحمل هذا الافتضاح الاخلاقي له وانكشاف حقيقتة الاجرامية امام العالم, لم يترك وسيلة تدميرية الا واستخدمها للقضاء على الثورة, مما تسبب في دمار هائل للبشر, والحجر, والشجر. الامر الذي دفع شريحة من السوريين إلى حمل السلاح دفاعا عن انفسهم و عائلاتهم و مدنهم التي لم تسلم من وحشيتة و بطش شبيحته.
لكن مع انتشار السلاح بشكل عشوائي لأسباب داخلية وخارجية, فقد لاحظ الثوار بعض الممارسات الخاطئه من قبل بعض حاملي السلاح, و لذا وجهت لجان التنسيق المحليه على امتداد الاراضي السوريه رسائل توعية إلى كل ثائر قرر ان يحمل السلاح.
فقد رفعت لافتات دعت إلى ضرورة عدم استعمال السلاح بشكل عشوائي و على ان الثقافة في استخدام السلاح ستكون سبباً اساسياً في نيل النصر. فقد ادهش السوريون العالم بأخلاقهم و ممارساتهم, وعليهم ادهاشه بانضباطهم.
و قد ساهمت كل من تنسيقية عربين, الزبداني,مضايا, حموريه, و جديدة عرطوز في ريف دمشق, و الحراك, الصنمين,طفس ,انخل,مخيم وادي اليرموك و النعيمة في درعا, و كفرومه من ادلب, و مصياف, حماه, بزاعه و الباب ايضا من محافظة حلب, ,و جبلة في اللاذقيه و طرطوس و القدموس في طرطوس و الحسكة و القامشلي وعامودا في الحسكة والطبقة من الرقة هذا و قد طالب الثوار جميع السوريين بضرورة ممارسة الاخلاق التي تؤكد على مبادئ ثورة الحرية و الكرامه لنصل إلى النصر المحتوم.
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Photo
Partager cet article
Repost0
19 février 2013 2 19 /02 /février /2013 10:42

مجلس محلي لقرية حدودية بريف إدلب


 
 
 
 
أُعلن في قرية عقربات عن تشكيل مجلس محلي للقرية الواقعة على الحدود السورية التركية بريف إدلب يضم حوالي عشرة مكاتب مابين الإغاثة والمالية والخدمات والقضاءو الأمن والتعليم والطب.

وقال النقيب عبد السلام عبد الرزاق ضابط الارتباط في المجلس لـ"زمان الوصل": "تشكل المجلس على أساس يجمع شمل الأهالي من خلال تمثيل عائلاتهم، حيث تضم اللجنة التأسيسية 20 عضواً يمثلون جميع عائلات القرية، وجاءت الحاجة لإنشاء المجلس نتيجة تزايد عدد النازحين".

وأكد الحاجة للتنظيم والخدمات بما يكفل ملء الفراغ الناتج عن غياب الدولة على المستويين الأمني والمعاشي "على أثر عقوبات النظام على المناطق المحررة بقطع كافة الخدمات وسبل العيش".
وعن المشاريع المقرر أن يقوم بها المجلس المحلي للقرية خلال الأيام القليلة القادمة، أوضح عبد الرزاق أن هناك دراسة لمشروع بناء فرن في القرية يخدم أهلها ومخيمات اللاجئيين االقريبة منها، التي تحتوي 40 ألف لاجئ.
كما كشف عن المساعي لتأسيس مخفر شرطة لحفظ أمن القرية، إضافة إلى تفعيل المكتب القضائي من خلال هيئة نافذة تحظى باحترام جميع الأهالي، مشيراً كذلك إلى إمكانية إنشاء محولة توليد الكهرباء في القرية.
وعلمت"زمان الوصل" من مصادر متقاطعة في المجلس أن الأخير يعكف على دراسة أوضاع الأسر الفقيرة في القرية لتأمين احتياجاتها، كما من المتوقع أن يؤمّن مشروع الفرن الآلي عشرات فرص العمل لمن طردوا قسراً من الوظائف الحكومية".

وأكدت المصادر على وجود نواة حقيقة للتجربة الديمقراطية تجلّت بانتخاب رئيس المجلس، حيث أشارت المصادر إلى ترشح شخصين من أصحاب الكفاءة في الإدراة وتم اختيار أحدهما بفارق صوت عن الآخر.
يُشار إلى أن عدد سكان قرية عقربات حوالي ألفي شخص، وتعتبر خطوة إنشاء مجالس محلية في ريف إدلب من الخطوات المهمة على طريق بناء سورية الحرة.


زمان الوصل -
 
Partager cet article
Repost0
18 février 2013 1 18 /02 /février /2013 12:34
تكنولوجيا الاتصالات والتنظيم الثوري في القرن الحادي والعشرين

 

 

لا يعني إيمان أفراد بنفس الهدف أو الفكرة السياسية أنهم يشكلون كيانا. ما يقيم الكيان أو يدمره هو مدى تناغم حركة أولئك الأفراد، مدى قدرتهم على تنسيق المواقف، مدى سرعتهم على الحشد والتعبئة، أي قدرتهم على الاتصال السريع بينهم لوحدة الفعل.

عندما يتناول تراثنا الماركسي عملية بناء الحزب السياسي نجد الإستعارات والتشبيهات من قاموس العسكرية لا تنتهي وهذا ليس مستغربا. الحزب الثوري كالجيش. الفارق الوحيد هو أن قيادات الحزب وغالبية "ضباطه" ينتخبون من "الجنود" ويحاسبون دوريا من القواعد. عدا ذلك، فهو جيش، من ناحية الهيكل والإستراتيجيات والتكتيكات. وليس غريبا أن يكون أكثر من أثر في فكر لينين عن التنظيم هو فيلسوف الحرب الألماني "كارل فون كلاوزفيتز" ومن يتصور أن الحزب الثوري منتدى ثقافي للحوار أو ناد إجتماعي هو مخطئ.

كتب "سن تزو" في القرن السادس قبل الميلاد في كتابه "فن الحرب": القادة الماهرون هم من يبرعون في قطع الاتصال بين مقدمة ومؤخرة جيش العدو، وقطع سبل التعاون بين فرق العدو الكبيرة والصغيرة، وتعطيل قوات العدو الجيدة من نجدة الأخرى السيئة، وعرقلة قدرة الضباط على جمع وتعبئة جنودهم".

في الحروب أول هدف للجيوش هو تدمير أو تشويش شبكة الاتصال الداخلية للعدو، ويأتي قنص جنود "الإشارة" دائما على قائمة الأولويات، ونفس الشيء في حرب الدولة على التنظيمات السياسية. إذا أردت إنهاء أي كيان فما عليك إلا تدمير أو تخريب جهاز اتصاله الداخلي سواءا كان جيشا، أو تنظيما سياسيا أو حتى شركة تجارية..

كيف يمكن إذاً لقيادة الجيش تعبئة جنودها؟ وإذا قررت قيادة الجيش تحريك قواتها أو الإنسحاب أو الهجوم كيف ترسل الأوامر والتكليفات بأسرع وقت لوحداتها المنتشرة في الجبهة مع العدو أو في جبهتها الداخلية؟ مرة أخرى ما هو هدف أول ضربة عسكرية للعدو عندما يهاجم جيشا؟ الإجابة بسيطة: جهاز الاتصال الداخلي، الاتصال الداخلي هو ما يقيم أي كيان (جيشا كان أم حزبا سياسيا) وهو ما يدمره إذا أصابه العطب، هو ما يتيح لأعضاء الكيان التحرك في تناغم وتناسق. غيابه يعني التفتت، اللامركزية، وشلل قيادته.

في ظل غياب جهاز اتصال داخلي حديث وقنوات تواصل سريعة تظل الرؤية السياسية لقيادة أي كيان حبيسة غرف مغلقة وأوراق لا تصل أحدا، وتظل قيادات الكيان عاجزة ومشلولة عن إيصال الرؤى والتكليفات والتنويهات بالسرعة المناسبة والمطلوبة لقواعدها، وعندئذ يتحول الكيان السياسي إلى كيان إفتراضي في عقول قياداته فقط وغير قادر على التعبئة والحشد والحركة في أي إتجاه وعرضة لإنفجارات داخلية متكررة.

الاتصال الداخلي والمنظمات الماركسية في التسعينيات:

في التسعينيات كانت المجموعات الماركسية صغيرة، لا يتعدى كوادرها بضع عشرات متركزين جغرافيا في القاهرة الكبرى.

تجتمع الكوادر أسبوعيا في اجتماع الخلية الذي يبذل جهدا في تأمينه. وفي إجتماع الخلية (بجانب النقاش السياسي والتثقيف وتقييم العمل بالموقع) يبلغون شفويا من مسؤول الخلية بأي تكليفات أو تنويهات من القيادة، ويتم الإتفاق على زمان ومكان اللقاء التالي. وتقريبا شهريا أو كل شهرين يتلقى الكوادر جريدة منظمتهم السرية ليتم توزيعها على العضوية والمرشحين للإنضمام والمتعاطفين.

وكانت الأوراق التنظيمية وأوراق الحوار أيضا تصل للعضوية في إجتماع الخلية ولكن لم يحدث قط أن انتظمت، وكانت تصدر كل بضعة أشهر، وتحوي تقاريرا عن العمل التنظيمي العام والإخفاقات والإنجازات والمتطلبات. وكانت تلك الأوراق تصل للعضوية في الخلية عن طريق مسؤول الخلية في الإجتماع، وتقرأ فيه وعادة لا تترك للعضوية، بل يجب قراءتها في الإجتماع ثم يجمع المسؤول الأوراق ويتخلص منها بمعرفته لاحقا سواء بالحرق أو التمزيق.

مسؤول الخلية كان هو حلقة الوصل بين أعضاء الخلية والقيادة. ولصغر حجم المنظمات آنذاك كان يعني ذلك أن مسؤول الخلية في أحيان كثيرة هو نفسه عضو في القيادة، وكانت المستويات الوسيطة غير موجودة في فترات طويلة غير في القطاع الطلابي، ليعكس ذلك طبيعة عضوية المنظمات التي إقتصرت على 3 أو 4 جامعات بدرجات متفاوتة ولم تكن لها جذور حقيقية آنذاك في الطبقة العاملة.

الاتصال التليفوني:

الوسيلة الأساسية لنقل التكليفات كانت كما شرحنا أعلاه: شفوية وفي الإجتماع الأسبوعي. وإذا أرادت القيادة نقل تكليف للعضوية، كان ذلك يعني أن التكليف يجب أن ينتظر أياما حتى تجتمع الخلية مع مسؤولها في الميعاد الذي تم تحديده في الإجتماع السابق. أما إذا كان الأمر عاجلا؛ كان عضو في القيادة يذهب إلى أي كابينة تيليفون عامة ويقوم بالإتصال بمسؤول الخلية على رقمه في المنزل أو تليفونه المحمول إذا توافر (في نهاية التسعينيات) والاتفاق على لقاء سريع ويكون ميعاد ومكان اللقاء متفق عليهما مسبقا لعدم الخوض في أي تفاصيل على التليفون المراقب غالبا، فيقابل مسؤول الخلية مسؤوله القيادي وتنقل التكليفات شفويا من القيادة إليه.

وكيف ينقلها بعد ذلك مسؤول الخلية للعضوية؟ عليه أي يمر على منازل الرفاق منزلا منزلا لتبليغهم بالتكليفات إذا كانت طارئة جدا، أو الإنتظار لليوم التالي على أمل أن يرى مسؤول الخلية رفاقه في الجامعة مثلا، وينقل إليهم التكليف شفويا أيضا.

ولنفترض أن كادرا لم يستطيع رؤية مسؤوله؟ لا توجد أي وسيلة لإيصال التكليف إلا إذا ذهب المسؤول إليه في بيته يبحث عنه أو يكلف عضوا آخر بالخلية بنقل التكليف إلى العضو الذي لم يتمكن المسؤول من الوصول إليه.

كانت تلك طرق اتصال تناسب تنظيما صغير الحجم، يعرف معظم أعضاءه بعضهم البعض في الحقيقة، ومتركزين في موقعين أو ثلاثة (جامعات بالأساس) وبالتالي يعتمدون على كونهم يلتقون تقريبا كل يوم. وكيف كنا ننسق العمل بين تلك المواقع؟ يكفي إجتماع دوري، أسبوعي أو شهري لمسؤول من كل جامعة في مستوى وسيط.

قد تبدو الإجراءات المذكورة أعلاه بيروقراطية للغاية وبطيئة، ولشاب حديث العهد في العمل التنظيمي قد تبدو رواية دراما بوليسية، ولكن اقتضت الظروف الأمنية غاية السوء آنذاك طريقة العمل تلك، ويجب الوضع في الإعتبار أن الصراع الطبقي لم يكن مشتعلا في مصر، وبالتالي سرعة تدخل المنظمات الماركسية (وسائر التكوينات السياسية الموجودة في الساحة آنذاك) المطلوبة كانت أقل وتيرة بمراحل مقارنة بظروف اليوم.

لكن جدير بالذكر أيضا أن تلك الإجراءات الأمنية في التسعينيات لم تكن تتبع بحذافيرها. كان التراخي موجودا في أوقات، وكما هو ضروري جدا نقل خبرة التسعينيات في العمل التنظيمي إلى الرفاق حديثي العضوية اليوم وجب التأكيد أيضا على أن فكرة "الكادر الخارق السوبر" الملتزم حرفيا بكل إجراءات التأمين لم تكن موجودة في الماضي، وإن كان السعي إلى الكمال والإحتراف في العمل مطلوبا دائما.

بعد إندلاع الانتفاضة الفلسطينية في 2000، وجدت المنظمات الماركسية نفسها في ظرف سياسي جديد. من منظمات صغيرة معزولة في بعض التكوينات الطلابية التي تجاهد بصعوبة للوصول إلى الشارع، خلقت حركة التضامن مع الانتفاضة ثم مناهضة الحرب وبعدها حركة التغيير الديمقراطي هامشا أكبر للعمل في الشارع. فشخص من جيلي، جيل التسعينيات، الذي كان أكبر طموحه هو الخروج بمظاهرة صغيرة من حرم الجامعة لمسافة 10 أمتار قبل أن يسحقنا الأمن المركزي، وجد فجأة نفسه في مظاهرات ومسيرات تجوب شوارع وسط القاهرة بـ"المئات" وفي بعض الأحيان "الآلاف"، بل ووصل الأمر إلى تنظيم وقفة أمام وزارة الداخلية نفسها في ميدان لاظوغلي في 2005.. كان هذا أشبه بأفلام الخيال العلمي بالنسبة لجيل التسعينيات.

وصاحب ذلك الانفتاح الجزئي في العمل السياسي في الشارع انفتاح في هامش حرية الرأي والتعبير:

1- بصدور صحف خاصة (ولا أستعمل مصطلح صحافة مستقلة) مملوكة لرجال أعمال مثل "المصري اليوم"- بالطبع لا صلاح دياب أو نجيب ساويرس ولا غيرهم من ثوار الكلمة الحرة- ولكنهم كرجال أعمال يهدفون للربح يدركون جيدا أن عصر "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية" قد ولى وأن هناك سوقا لصحافة أكثر إحترافا، بحدود حمراء بالطبع يتم التفاوض عليها مع النظام والأجهزة الأمنية وتتغير شروط التفاوض والسقف الممنوح حسب الظروف.

2- انتشار الفضائيات مثل الجزيرة وغيرها كان يعنى أن ماسبيرو فقد احتكاره للصوت والصورة على عكس التسعينيات وما قبلها. وتبع ذلك بزوغ برامج الـ"توك شو" على القنوات الفضائية المصرية، والتي مرة أخرى لا يمكن وصفها طبعا بالإعلام المستقل أو الثوري، ولكن معايير الاحتراف التي كانت أعلى من ماسبيرو ووجود هامش لديها أكبر في نقل بعض جوانب الاحتجاجات، ساهم في زيادة رقعة التعبير وإن لم يكن ذلك مخططا لدى مالكيها الغارقين حتى آذانهم في التحالف مع نظام مبارك. بل وفي أوقات كثيرة استعمل المتظاهرون قبل ثورة يناير وسائل الإعلام التقليدية تلك للتواصل مع زملائهم في نفس القطاع وحثهم على الحركة.

فمثلا قال لي أحد قياديي الضرائب العقارية ومؤسسي النقابة المستقلة أنه التحق بالاعتصام في شارع حسين حجازي (ديسمبر 2008) بعد أن شاهد تقريرا خبريا على قناة "دريم". وآخر من محافظة الشرقية قال لي انه التحق بالاعتصام بعد أن قرأ عنه في "المصري اليوم"، وتكرر ذلك في العديد من الاعتصامات العمالية التي تجاوزت الحركة فيها حدود المحافظة الواحدة (مثل حركة موظفي البريد، النقل العام ومراكز المعلومات).

3- انتشار وسائل الاتصال الحديثة مثل رسائل التيليفون المحمول القصيرة SMS وظهور المدونات والاستعمال الواسع للقوائم البريدية ومنتديات الإنترنت آنذاك لنشر الآراء التي لا تستطيع الصحف الحكومية والخاصة نشرها، ولتداول أخبار الفعاليات وصورها وفيديوهاتها.

 هل أثر الوضع السياسي وهذا الإنفتاح على العمل التنظيمي في التنظيمات الماركسية؟ بكل أسف كان تطور الماكينة التنظيمية بطيئا للغاية. أصيبت المنظمات بحالة من الإنفصام. أستطيع أن أجزم بأنه لم يكن واضحا لأي كادر منظم ما هو "السري" وما هو "العلني" ولم يكن واضحا (في التطبيق العملي بغض النظر عن أي كلام أو كتابة عن الموضوع) للأعضاء القدامى ماهي طريقة الاستيعاب المثلى للعضوية الجديدة التي بدأت تتدفق على الفكر اليساري في تلك الظروف.

وفي الوقت الذي بدأت فيه تقريبا كل "حركات الشباب" إستعمال البريد الإليكتروني ومنتديات الويب والشبكات الإجتماعية مثل فيسبوك للتواصل السريع بين أعضائها، آثرت المنظمات الماركسية على الاستمرار في اتباع نفس طرق الاتصال القديمة ونفس الأشكال التنظيمية القديمة الموروثة من التسعينيات. فالتكليفات تنقل أيضا في الإجتماعات شفويا وجها لوجه. وتكلفة ذلك كانت فادحة في تقديري:

1- لا تستطيع الحفاظ على المركزية والديمقراطية معا، والعمل على نقل التكليفات بالسرعة الكافية التي تواكب الظرف السياسي المتغير في تنظيمات تتسع عضويتها وبدأت تخلق تواجدا له في محافظات خارج "جيتو" القاهرة الكبرى، عبر لقاءات أسبوعية في عصر كانت العضوية الجديدة فيه تتلقى الأخبار والتحديثات السياسية دقيقة بدقيقة عبر الانترنت ورسائل المحمول. وإذا قررت أن اللقاء الأسبوعي غير كاف، فمن أين تأتي بوقت (لعضوية غير متفرغة) للقاء أكثر من مرة بالأسبوع؟

2- فشل أعضاء قيادة المنظمات الماركسية في التواصل السريع مع مختلف القطاعات كان يعني هذا اتهامات مستمرة بالمركزية الشديدة والاستبداد. ولكن المركزية الشديدة في تقديري ناجمة عن سوء وعدم قدرة القيادة ببساطة على الإتصال اليومي بقواعد المنظمة. هذا الاتصال اليومي آنذاك (بطرق العمل القديمة الموروثة من التسعينيات) كان يعني لقاء يوميا على الأقل وهو مستحيل لقيادة أعضاؤها غير متفرغين ويعملون في وظائف بجانب عملهم التنظيمي وتبعات ذلك: ترهل وبطء في اتخاذ القرار تجاه أي موقف سياسي متغير، وقدرة ضعيفة على التعبئة، وفشل في إستيعاب العضوية الجديدة. النقاش الديمقراطي في أي منظمة يتطلب أيضا السرعة في نقل الآراء المختلفة لباقي العضوية، وفي ظل رفض استعمال الانترنت لتخوفات من "مجهول تكنولوجي" غير مبررة، لم تكن أوراق الحوار الداخلية المطبوعة غير منتظمة الصدور بديلا أمثل. فلماذا يكلف الكادر نفسه عناء كتابة ورقة يعلم هو أنها لن تنشر إلا بعد شهور أو الله وحده يعلم متى ستطبع وتوزع وإذا كانت ستصل لكل العضوية أم لا؟ غياب قنوات الحوار الداخلي السريعة سبب رئيسي لانفجارات تنظيمية داخلية وانشقاقات أو احباط البعض وخروجهم من المنظمة. 

3- عند حدوث أي انشقاق في أي تنظيم ماركسي في تلك السنوات أو عند أي حالة احتقان وبالذات في المحافظات كان دائما الاتهام الأول الموجه من أي طرف في المشكلة هو "الكذب". لماذا؟ من الطبيعي على منظمات تعتمد على التراث الشفوي في التعامل التنظيمي أن تنفجر بتلك الإحتقانات والاتهامات حال توسعها وخروجها عن نطاق المجموعة الصغيرة التي كانت تعرف بعضها البعض في التسعينيات. إن ذلك نتيجة حتمية بل وعلمية!

من الطبيعي إذا كانت طريقة نقل التكليفات هي التعليمات الشفهية أن يحدث سوء فهم. فعندما يأتي مسؤول محافظة ما إلى القاهرة للقاء القيادة ونقل التنويهات والنقاش السياسي إلخ شفهيا يحدث أن تكون القيادة تقصد شيئا بينما مسؤول المحافظة يفهم أمرا آخر، ثم يذهب إلى محافظته وينقل ذلك شفهيا ويفهم الأعضاء هناك شيئا ثالثا.

 إن أول تجربة عملية يقوم بها طلبة علم الإجتماع في الغالب تكون أن يهمس الأستاذ في أذن طالب بشيء ويطلب منه نقله همسا إلى زميله بجانبه والذي بدوره ينقله إلى من جانبه وعندما يأتي الدور على آخر طالب في قاعة المحاضرات يكون ما سمعه مختلفا كليا عما همس به الأستاذ في البداية. طبقوا نفس التجربة العلمية على أي تنظيم تفهمون سر الاتهامات بالكذب والتخبط وسوء الفهم المنتشر في كل القطاعات على مر السنوات الماضية. وسيستمر هذا الاحتقان طالما اعتمدنا الشفهية وليس المراسلات المكتوبة. 

4- تسبب الانفتاح السياسي في الشارع في سنوات ما قبل الثورة وبزوغ نجم المنظمات الماركسية في قيادة الحراك في أحيانا كثيرة، ولكن مع الإصرار على اتباع نفس الوسائل القديمة في العمل التنظيمي، إلى ضياع فرص كبيرة في النمو. ففي تقديري كانت الحالة السياسية والأمنية تسمح بأن تعمل المنظمات الماركسية برايات علنية بكل وضوح منذ 2005 وما بعدها وعدم اتباع الوسائل "الكاريكاتورية" التي جعلت منها أحيانا أضحوكة بين النشطاء الجدد القادمون من خلفية العمل في الشارع وليس النقاشات في حجرات مغلقة مثل التسعينيات.

البعض بدا كالنعامة تدفن رأسها في التراب متخيلة أن أحدا لا يراها. وأتذكر جيدا مقولة كان يرددها بعض النشطاء في نقاشاتهم مع الماركسيين: "أنكم تبنون تنظيما سريا على العضوية ومكشوفا للأمن"، وللأسف كان هذا صحيحا. فقد كانت معظم العضوية "محروقة" آنذاك ومكشوفة للأمن بسبب العمل في الشارع واستعمال التليفون في نقل التكليفات، وهو ما يعني أن من يعلم بالتكليفات هو العضو القيادي والعضو المسؤول المتلقي على الطرف الآخر بالإضافة لكل أجهزة الأمن، ولكن باقي قطاعات أي منظمة لا تعلم ما يحدث في باقي أنحاء المنظمة بسبب دواعي "السرية"!

وبالطبع لم يكن ممكنا الخوض في كل تفاصيل النقاشات والتكليفات التنظيمية على التليفون، فكان يعني هذا أن التكليفات التنظيمية وأي نوع من الاستفسارات التنظيمية أو النقاشات في المحافظات أن تنتظر سفر المسؤول القيادي إلى المحافظة أو سفر مسؤول المحافظة إلى القاهرة لمقابلة القيادة. واضعين في الإعتبار أيضا أننا لا نتحدث هنا عن تنظيمات بمحترفين متفرغين، فطلب القيادة مقابلة مسؤول ما في محافظة ما كان أيضا يرتبط بالظروف الحياتية وارتباطات عمل المسؤول القيادي أو مسؤول المحافظة. والمحصلة النهائية أننا أمام قنوات اتصال يستحيل فيها بناء تنظيمات يتعدى أفرادها العشرات بدون أن تحتقن وتنفجر من الداخل.

5- أضاعت منظمات اليسار الثوري فرصا ذهبية للنمو وتركت الساحة لحركات شبابية وأحزاب وحملات أخذت زمام المبادرة في استعمال وسائل الاتصال الحديثة ونجحت في تكوين تواجد سياسي قوي في فترة زمنية ضئيلة، وهو تواجد أيضا كنا نعلم أنه مؤقت ولن يستمر للأبد ولكن تلك الحركات كانت وماتزال قادرة على الحشد السريع والتنسيق بين مختلف قطاعاتها في المحافظات المختلفة لاعتمادها على الإنترنت، مقارنة بالمنظات الماركسية التي كان لها باع طويل في السياسة ولكنها بطيئة للغاية في رد فعلها على أي تطور سياسي يحدث ولم تتعدى قدرة حشد كوادرها في أي وقفة عن عشرات بالرغم من النمو في العضوية. فالمشكلة كانت لاتزال قائمة: كيف تصل سريعا للكادر لتكليفه بشئ ما مثل حضور مظاهرة؟ أو كيف يتواصل الكادر سريعا في الأطراف مع مركز المنظمة لمعرفة الموقف من "س" أو "ص" أو ما العمل في هذا أو ذاك أو لنقل اقتراحات وانتقادات على أي شئ.

إعادة الهيكلة و"النشاطوية" واستمرار أزمة الاتصال:  

حدث بالفعل العديد من التطورات في الهياكل التنظيمية للمجموعات اليسارية المختلفة قبل وبعد الثورة مباشرة ولكنها خلقت جسدا بدون جهاز عصبي نظرا لغياب جهاز اتصال داخلي محترف وسريع، وحجم ما تم انجازه حتى الآن لا يرتقي بكل المقاييس لحجم ما كان يمكن إنجازه لو كانت قيادات الحركة أخذت الموضوع بالجدية المطلوبة، والاحتقانات المتكررة والانفجارات التنظيمية التي تتكرر في كل التنظيمات الماركسية بلا إستثناء عنصر مشترك في استفحالها وتكرارها هو غياب قنوات الاتصال الداخلية  والإنغماس في العمل في الشارع والمسيرات والمؤتمرات والمظاهرات على حساب بناء التنظيمات داخليا وتدعيم وتطوير هياكلها، والتوازن مطلوب بين العمليتين.

خارج الدوائر القيادية في المنظمات الماركسية حاليا يصعب على القواعد الإحساس بأنهم جزء من حركة منسقة أو تنظيم، والسبب الرئيسي هو عدم وجود قنوات اتصال سريعة وواضحة تناسب اللحظة الحالية. فإذا اتفقت القيادة السياسية مثلا على توجه معين أو تكليف ما أو قررت الحشد في مظاهرة معينة، فكيف نظن أن ذلك ممكنا؟ فور انتهاء اجتماع القيادة سيقوم أعضائها بالاتصال تليفونيا بعدد محدود من الكوادر الوسيطة ومقابلتهم ونقل التكليف لهم أو الاتصال بهم تليفونيا وإبلاغهم بكل التفاصيل التنظيمية على التليفون، ويكون كل كادر وسيط مكلفا بالاتصال أيضا تليفونيا بعدد من زملائه ودعوتهم للحضور. ويصاحب ذلك نشر الدعوة على فيسبوك والشبكات الإجتماعية على أمل أن يرى الدعوة باقي أعضاء الحركة ودوائر المتعاطفين ويحضرون. ولكن بغض النظر عن الحفنة الضئيلة من الكوادر التي يستطيع أعضاء القيادة السياسية الوصول إليها تليفونيا غالبا أو بالمقابلة السريعة وجها لوجه (وهذا يفسرضعف الحشد في المسيرات والمظاهرات بالرغم من النمو المتسارع لعضوية المنظمات الماركسية)، لا توجد لدينا قناة اتصال سريعة ومحددة لنقل التكليفات إلى العضوية بالقاهرة الكبرى، فما بالكم بنقل تكليفات بين المحافظات؟

وفي ظل عدم قدرة المنظمات الماركسية ماليا على تفريغ عدد من الكوادر القيادية والوسيطة، تظل كل منظمة تحت رحمة الظروف الحياتية اليومية للقيادات والكوادر الوسيطة. فإذا كان لا شئ يتم إنجازه إلا بالمقابلة وجها لوجه، فالله وحده يعلم متى تنتظم الاجتماعات ونسبة حضور الكوادر. فماذا إذا احتجنا بيانا عاجلا على موقف سياسي طارئ؟ كيف تتناقش القيادة سريعا في القرار وصيغة البيان إذا كان أعضائها "مسحولين" في حياتهم المهنية اليومية بين نوبتشيات العمل؟ هل سيقوم أعضاء القيادة بالاتصال التليفوني ببعضهم البعض فردا فردا ومناقشة تلك الأمور (في حضرة الأجهزة الأمنية التي تراقب هواتفنا بالطبع)؟ هل يكفي الاجتماع الأسبوعي وجها لوجه بين أعضاء القيادة السياسية لإدارة شؤون التنظيم؟ هل يكفي أن تجتمع الكوادر الوسيطة بكل قطاع مرة أسبوعيا أو كل أسبوعين لتنسيق العمل بينهم ويظلون باقي أيام الأسبوع بلا أي اتصال أو تنسيق بينهم؟ 

الإجابة بالطبع لا! هذه كلها طرق عمل تناسب مرة أخرى تنظيم صغير الحجم لا يتعدى أفراده حفنة ضئيلة من العشرات ويتركز في محافظة واحدة. ومن العبث أن نتخيل استمرار طريقة العمل تلك إذا كانت منظمات اليسار الثوري جادة في التحول لحزب جماهيري بتواجد في جميع المحافظات وقادر على الحركة بشكل مركزي وتتوافر به القنوات السريعة للتواصل الديمقراطي.

لا يوجد بديل في رأيي غير تعميم استعمال البريد الإليكتروني عبر أجهزة المحمول كوسيلة اتصال أساسية.

"المحمول في يد الجميع"؟

هذه عبارة من أحد إعلانات موبينيل في التسعينيات وكانت مثار مزاح وسخرية الجميع، فقد كانت الهواتف المحمولة ترفا وحكرا على البرجوازية المصرية لارتفاع أسعار الخدمة آنذاك. ولكن اليوم في 2013 قد تكون تلك العبارة حقيقة واقعة. فتقارير وزارة الاتصالات المصرية الصادر في مايو الماضي تشير إلى نسبة تشبع السوق المصري بـ 112٪ أي أن عدد شرائح المحمول يفوق عدد السكان!! وبشكل عام هذه ظاهرة عامة في المنطقة. فيشير بحث أجرته شركة "إريكسون" عن:

أن انتشار الهواتف المحمولة يفوق معدلات المواليد في منطقة الشرق الأوسط. ووفقًا للتقرير فقد تم تسجيل 8 ملايين اشتراك جديد في خدمات الاتصالات المحمولة بمختلف أنحاء المنطقة ما بين شهري يوليو وسبتمبر 2012، في المقابل تقترب هذه الأعداد من عدد المواليد الجدد خلال نفس الفترة حوالي 1.1 مليون طفل فقط ، ووصل العدد الإجمالي لاشتراكات الاتصالات المحمولة بمنطقة الشرق الأوسط إلى نحو 990 مليون اشتراك خلال الربع الثالث من عام 2012، مع تقديرات لحوالي 600 مليون اشتراك إضافي بحلول عام 2018.وأشار تقرير"إريكسون" إلى أن منطقة الشرق الأوسط سجلت واحدة من أعلى معدلات انتشار الاتصالات المحمولة في العالم، حيث وصلت إلى 103% خلال الربع الثالث لسنة 2012

لم تعد الهواتف الذكية التي يستطيع بها الشخص الدخول على الانترنت وقراءة رسائله حكرا على النخبة والأرقام تتحدث عن نفسها. وإعتماد التواصل عبر قوائم البريد الإليكتروني من خلال الهواتف المحمولة بين أفراد المنظمات الماركسية يجب أن يكون وسيلة الاتصال الاساسية الآن.

ننسى أحيانا أن الماركسية ما هي إلا "الاشتراكية العلمية" التي تحلل العالم والتاريخ وتوفر دليلا للعمل بناء على أسس علمية. إن التطور المذهل في تكنولوجيا الاتصالات عبر العقدين الأخيرين من الزمن كان له تأثيرا كبيرا على علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج، أي البنية التحتية لمجتمعنا وللعالم. أليس لهذا التطور إنعكاسا على البنية الفوقية، على طريقة حياة البشر، على طرق بناء التنظيم السياسي؟ هذه ليست دعوة لبناء تنظيم في عالم إفتراضي، بل هي دعوة لخلق حزب اشتراكي علمي يضرب بجذوره في الأرض ويوفر قنوات اتصال حديثة آمنة لأعضاءه من مختلف المواقع الجغرافية للتواصل الديمقراطي بالسرعة المطلوبة في عصرنا ولضمان تناغم ومركزية الفعل.

Partager cet article
Repost0
18 février 2013 1 18 /02 /février /2013 12:18

إطلاق موقع إلكتروني للمناضل والمفكر الثوري دانيال بنسعيد

 

 

 

الحزب الجديد المعادي للرأسمالية-فرنسا

افتتح يوم الخميس 31 يناير 2013 الموقع الالكتروني المخصص لكتابات وإسهامات المفكر والمناضل الثوري دانيال بن سعيد، في لقاء نظمته جمعية دانيال بن سعيد مع مؤسسة لويس ميشال ومجلة Contretemps، سمح هذا اللقاء بالعودة للفكر الحي والقيم لدانييل بنسعيد.

في نفس الشهر من العام الماضي، نظمت أمانة الأممية الرابعة بمقر المعهد الدولي للبحث والتكوين(IIRF) بأمستردام ثلاثة أيام دراسية، في إطار مواصلة العمل حول المسائل التي أثارها دانيال، وإيصال فكره، وذاكرة كفاحه.

ليس الهدف من إحداث موقع دانييل عرض نصوصه و حسب، بل موقع حي يحقق تفاعلا بين النصوص الأساسية لدانيال و تطور الفكر و الممارسة السياسية المعاصرة.

تبدل جمعية دانيال بنسعيد جهدا جبارا لتأمين استمرار فكر دانيال، و أيضا محاولة نقل رصيده الفكري و السياسي للأجيال الثورية، ويأتي إحداث هذا الموقع ضمن هذا المسعى.

يوفر هذا الموقع إمكانيات كثيرة، فهو متعدد اللغات، ومقسم إلى خمسة أقسام: المقالات والكتب والوسائط المتعددة، و مرفق بالسيرة الذاتية لدانيال. علاوة على ذلك، يتضمن الموقع مقالات دانيال التي كتبت بين 1968 و2010، وفق تسلسلها التاريخي. ويوفر الموقع مرونة في البحث (المواضيع والكلمات الرئيسية، والأسماء). ويمكن أيضا من عرض النصوص، وطبعها أو إرسالها على شكل PDF.

فيما تبقى من محاور الموقع، نجد عرضا شاملا لجميع كتب دانيال، وسلسلة من الوسائط المتعددة (الصوت والفيديو)، والسيرة الذاتية المرفقة بالصور. أما محور « écho » فيعرض الاشتراكات والكتب المساهمة في تحليل أعمال دانيال بعد وفاته.

هذا الموقع هو أداة أساسية للتفكير وتحليل وفهم العالم من أجل تغييره.

المصدر: الحزب الجديد المعادي للرأسمالية تعريب المناضل-ة

عنوان الموقع www.danielbensaid.org الامايل assosdanielbensaid@gmail.com

Partager cet article
Repost0
18 février 2013 1 18 /02 /février /2013 12:09
جبال نفايات تطوّق المدينة
حلب على وقع حرب المطارات... وخصومة مع ريفها الثائر
حلب - بيسان الشيخ
الأحد ١٧ فبراير ٢٠١٣

هنا حلب. أو بالأحرى المناطق المحررة منها حيث سقط النظام ولم تنتصر الثورة بعد. خطوط التماس رسمت بوضوح بين المناطق الخاضعة للجيش النظامي وتلك التي سيطرت عليها كتائب الجيش الحر بعد معارك بدأت منتصف تموز (يوليو) الماضي ولم تنته تماماً. يفصل بين المنطقتين شريط «محايد» يحرسه قناصة من الجانبين، تحذرك منهم أحياناً لوحات زرعت في الطريق تقول «انتبه قناص».

عابرو تلك الأحياء المطلة من جهة على القلعة باتوا يعرفون كيف يطوعون حركتهم فيها. ذاك أن خطوط التماس رسمت أيضاً خريطة المعارك وحددت مواقيتها. فمنذ انسحاب الجيش النظامي من بعض أحياء المدينة وكامل بلدات الريف غابت الاقتحامات أو حرب الشوارع والمواجهات المباشرة، لمصلحة حال مرابطة وحرب مطارات تدور رحاها في مناطق عسكرية خارجية. لكن ذلك لا يعني أن الأمور مستتبة في الأحياء السكنية، بل منذ فترة والقصف بالطائرات يرتبط ارتباطاً مباشراً باندلاع اشتباكات في أحد تلك المطارات لتشتيت الانتباه وكنوع من العقاب الجماعي لحواضن الثورة. وبهذا، قصفت مثلاً بلدة تل رفعت (ريف شمالي) بعد هدوء دام بضعة أيام على اثر اقتحام جرى في مطار منغ المجاور، وأمطرت أحياء من حلب خلال مناورة في مطار النيرب (شرق) الذي إن سقط يقطع الإمداد كلياً عن المدينة. أما قاعدة السفيرة (غرب) التي تطوقها «جبهة النصرة» بشكل أساسي فمعركة باردة نسبياً لأنها تحوي معامل الدفاع وأسلحة كيماوية وينتظر سقوطها بعد سقوط بقية المطارات. وتلك اشتباكات متفرقة ومحدودة نسبياً ما عادت تظهر كخبر أول على القنوات الفضائية، لكنها تسجل بدقة على هواتف فرق «إعلام الثورة» بهدف إرسالها إلى الممولين في دول خليجية و«المذخرين» ممن يشترون السلاح ويوزعونه على الكتائب. فالممولون يجب أن يقتنعوا بأن دعمهم المادي يذهب في العمل العسكري وليس من سبيل لذلك سوى «توثيق» المعارك. ويتم ذلك عبر إدراج «لوغو» الكتيبة المقاتلة على الشريط المصور، وإعلان قائد المجموعة اسمه وعدد رجاله وميدان عمله وانتمائه إلى المجلس العسكري لحلب. ومع تشرذم الكتائب وتوالد بعضها من بعض وتضخم لواء التوحيد الذي بات يضم أكثر من 300 كتيبة، تشكلت «جبهة تحرير سورية الإسلامية» كمرجعية معنوية ومادية لتلك التشكيلات العسكرية. وبينما كانت تجري مفاوضات مع لواء التوحيد لضمه إليها بصفته الأكبر عدداً والأوسع نفوذاً، كان العمل في الغرف الخلفية يجري على قدم وساق لجمع شارات المجموعات المتفرقة ضمن «لوغو» موحد، وإحصاء جداول المقاتلين وتحديث تسجيلات «يوتيوب» لا سيما تلك التي تصور لحظات الانتصار. فتلك وسيلة مثالية لإثبات حجم القوة على الأرض، وتسويق الذات وطرق أبواب التسليح.

في تلك الأثناء، ومع انعدام قدرة الناس العاديين على التكهن بموعد للقصف أو تحديد «منطق» له، يسيّر المدنيون شؤونهم بما يشبه التعود الآلي ويألفون حال الترقب لدرجة الخدر والنسيان. هكذا ترى الأسواق تعج بالباعة الجوالين والمتسوقين في فترات الصباح، و»سوق النسوان» في سد اللوز يعرض ثياباً داخلية وفساتين أعراس ومستحضرات تجميل لتعود الشوارع وتقفر كلياً بعد الظهر وقبل هبوط الظلام.

مكبات النفايات التي تطوق المدينة وتتكدس عند نواصي الشوارع فيها، تنفث أبخرة كريهة وذباباً وأمراضاً تختلط في أنفك بسخام الأبنية المتفحمة ورائحة لحم مشوي متبل بالبهارات الحلبية يباع على العربات النقالة. المشهد في المدينة أكثر تناقضاً وقسوة منه في الريف. ذاك أن القرى التي هجرتها غالبية المدنيين إلى تركيا المجاورة، وبقي فيها المسلحون بشكل أساسي، استعادت شيئاً من وتيرة الحياة الطبيعية والخدمات العامة كما امتص التكافل الاجتماعي القروي بعضاً مما خلفته فوضى المعارك. هذا وعادت بعض البلديات تعمل بموظفيها من أبناء القرية نفسها.

أما المدينة فهجرها الموظفون، ودخلها العسكر وتركت تواجه مصيرها منفردة. المدنيون لم يهجروها بالكامل وهم يعيشون وسط فراغ أمني وخدماتي مطلق، في بلد لم يعرف مصدراً آخر لتلك الأساسيات إلا عبر قطاع عام متجذر. وإذا كان الجيران اللبنانيون وبعدهم العراقيون خبروا الحروب واستعاضوا عن الدولة (حتى في أيام السلم) بجهات بديلة تؤمن لهم الكهرباء والماء والسلع الاستهلاكية وغيرها، فإن السوريين حديثو العهد بتلك الحاجات، وها هم اليوم يحاولون اكتساب مهارات التأقلم، مسلمين بالأمر الواقع. وعليه نشأت سوق سوداء للمحروقات تباع فيها قارورات المازوت والبنزين على الأرصفة، ويتراوح سعر الليتر بين 150 و200 ليرة سورية. ويحاول صغار التجار وغالبيتهم من الأطفال استقطاب المتسوقين بكتابة لافتات تميز بين «مازوت عراقي» وآخر «نظامي» أي سوري، للدلالة إنه «مكفول» ولن يلحق ضرراً بالمدفأة أو المركبة. بمحاذاتهم، يصطف بائعو الحطب ينادون عليه بـ «الكيلو» كأنه خيار أو بصل. ويحصل هؤلاء على بضاعتهم من تجار جملة يحضرون المحروقات كما يقولون من حمص واللاذقية ويبيعونهم الليتر بأقل من 5 أو 10 ليرات من سعر التجزئة. وفي الريف، سعى وجهاء بعض البلدات بالتنسيق مع «الضابطات الشرعية» فيها إلى فرض غرامة مالية وعقوبة تقضي بزرع شجرتين مقابل كل شجرة تقطع للتدفئة، كما حاولت الكتائب المسيطرة على كل قرية توفير قوارير الغاز والمحروقات والخبز للسكان وفق قدرتها هي في الوصول إليها. وإذ باءت تلك المحاولات أو بعضها بالفشل بسبب ندرة الحصص وشيء من الزبائنية في توزيعها، وعدم رغبة أحد في زرع شجرة في هذه الظروف، إلا أن قطع الأشجار انضبط بشكل كبير كما عاد توزيع الخبز وانتظم كيفما اتفق.

أما المدينة فلا تعرف لها وجهاء محليين ولا مخافر ثورية ولا هي تعترف بالقادة العسكريين الوافدين إليها. حتى مقر أكبر الألوية المقاتلة في حلب، أي لواء التوحيد، حيث كان «المعهد الصحي» يبدو كأنه خارج مزاج المكان وأهله. وفي شتاء قارس كهذا، من لم يقطع شجرة، اقتلع شباكاً من منزل مهجور، أو مقعداً من حديقة عامة، أو سقالة من معمل إسمنت. البرد، لا يعترف بملك عام أو خاص.

العتب المتبادل بين الريف والمدينة، والخصومة الضمنية التي يكنها كل طرف للآخر لا يمكن للزائر إلا أن يشعر بوطأتهما. فالقائد العسكري الذي يعبر سريعاً على حواجز القرى ملقياً التحية على فتيانها بعنفوان وثقة بالنفس، يضطر إلى التعريف بنفسه في مراكز المدينة. وهو إذ يقوم بذلك مراراً أمام غرباء (مثلي) يشعر بحرج مضاعف وغربة عن هذا المكان. هكذا مثلاً يسوي «أبو بكري» قائد الفوج الخامس في لواء التحرير هندامه قبل نزوله إلى المدينة. فيبدل الرجل الملقب بـ «الأصلي» لأنه كما يقول عن نفسه «لا يحب الغش ولا البضائع المغشوشة» كنزته الصوفية بقميص ملون، ويسحب من جيب السيارة قارورة عطر يتخضب بها ويتشاركها مع الشباب بشيء من فرح المراهقين. و«الأصلي» الذي لم يتجاوز الثانية والأربعين من عمره يقفز بلحظة بين دوره كمقاتل ومسؤول عسكري ينهر ويأمر ويزمجر وأب جديد لـ «شام» التي تبلغ 6 أشهر ويغمرها عطفاً وحناناً كلما نظر إلى صورتها في هاتفه النقال.

وقد تكون الأغاني التي تصدح في سيارات المقاتلين وتختلط بالأناشيد الدينية أحياناً أحد أوجه تظهير الخصومة مع المدينة، وهي خصومة تتعدى السياسة. فتلك أغنية تنادي «يا حلب ثوري ثوري، هزي القصر الجمهوري» وأخرى تذهب خطوة أبعد في إلقاء اللوم على الحلبيين لتأخرهم في الانضمام إلى الثورة والتخلي عن ناسها في شدتهم. وتقول: «عم نتقتل عم نتدبح حاسس يا حلبي؟ حمصي وشامي وديري وحموي هبوا يا حلبي». وإذ ساهم كبار تجار المدينة وصناعييها في دعم الثورة بالمال والمؤن والمساعدات منذ البداية، إلا أنهم نأوا بأنفسهم وبأحيائهم عن الانخراط المباشر فيها سواء عبر تنظيم التظاهرات والتشجيع عليها أم رفد الجبهة بالرجال. ومن أراد من الشباب الانضمام إلى القتال، توجه إلى القرى حيث انطلقت الثورة قبل عام كامل من المدينة. فهم كأهل المدن عموماً، معارضون في السياسة، متريثون في القتال. لكنهم إلى ذلك دفعوا ثمناً باهظاً في الثمانينات من القرن الماضي حين ارتكب نظام حافظ الأسد مجازر في المدينة لترويع أهلها في سياق حملته الدموية الشرسة على جماعة «الإخوان المسلمين». ولا يزال جيل كامل يذكر كيف تم تجميع الأهالي في بستان القصر والمشيرقة وغيرهما وأطلقت النار عليهم وسحلت جثثهم في الساحات العامة. ذلك جرح لم يندمل بعد في المخيلة الجماعية لأهل حلب، ساهم في تحريكه الخوف من احتمال فشل الجيش الحر في صد الجيش النظامي كلياً وعودة الأخير إلى تنفيذ أعمال انتقامية.

واليوم، بعدما تعسكرت المدينة، واستولى الريفيون على مفاصلها، تيقن الحلبيون أكثر من أي وقت مضى إنهم لطالما أرادوا إسقاط النظام لكنهم في الوقت نفسه لا يأتمنون المسلحين الوافدين على مستقبلهم وأرزاقهم. فعلى رغم محاولات جدية من قبل بعض ألوية الجيش الحر لضبط الأمور تفادياً لخسارة الحاضنة الشعبية للثورة، إلا أن مصادرة الأملاك والشقق والمعامل والسيارات باتت أمراً اعتيادياً، حتى تحولت المدينة الصناعية في حي الشيخ نجار مدينة أشباح بعدما هجرها عمالها وأقفلت مصانعها. هذا وراحت في المقابل أعمال بعض القادة الميدانيين تزدهر في مجالات التجارة والاستيراد والتصدير. فنشأت في البلدات الحدودية سوق للسيارات الأوروبية الحديثة تدخل من بلغاريا عبر تركيا ويجزم أكثر من مصدر إنها مسروقة ومهربة ما يفسر تدني أسعارها. كذلك وضعت اليد على المواسم الزراعية، فبيع موسم القطن مثلاً بأسعار بخسة بحجة شراء السلاح والذخيرة. وانتعشت سوق السلاح العابر للحدود من العراق وليبيا بشكل أساسي، ولكن أيضاً العابر للمحافظات السورية وولاءات كتائب الجيش الحر فيها. هكذا تتقاطع الروايات عن صفقات أبرمت حول معدات عسكرية ثقيلة ومتوسطة، تحوي صواريخ مضادة للطيران «غنمها» الجيش الحر في أتارب، وتم بيعها... للجيش الحر في أدلب!

وإلى ذلك يبرر سكان الريف الحلبي هجومهم على المدينة بأنه كان ضرورة ملحة. فالاقتحامات المتكررة لجيش النظام على القرى والبلدات كانت تتم من قواعد عسكرية ومطارات قريبة، ولم يكن أمامهم لصد الهجوم إلا تقطيع الأوصال واقتحام المدينة بأنفسهم. وتتكرر على مسامعك مقولة «يغضبهم (الحلبيون) الوقوف في صفوف الإغاثة ولم يغضبهم أن نقتل وتنتهك أعراضنا». والواقع أن الثورة بصيغتها هذه، فرضت فرضاً على المدينة ولم يتم ذلك انطلاقاً من أحيائها الداخلية التي كانت شهدت تظاهرات أواسط العام الماضي، وإنما من الضواحي التي يسكنها أصلاً نازحون من الأرياف. ومثل ذلك مساكن هنانو التي تفخر بأنها أولى المناطق المحررة في حلب، تلتها أحياء الإنذارات وسوق هلو وطريق الباب والحيدرية وغيرها.

 

هكذا تكسب «جبهة النصرة» القلوب وأبناء قادة الجيش الحرّ ينضمّون إليها

 

 وسط حالة التشرذم العسكري والفوضى المدنية التي يحاول لواء التوحيد استدراكها وإن متأخراً، تبدو «جبهة النصرة» منقذاً محترفاً يعمل بهدوء وإتقان. فبعكس مقاتلي الجيش الحر المسيطرين على المشهد العام بسلاحهم و«قبضاتهم» (هواتف اللاسلكي) والسلوكيات المرافقة لها، ينكب عناصر جبهة النصرة على مهماتهم بصمت وسرية مستفيدين من خبراتهم في العراق واليمن. ولا تقتصر تلك الخبرات على المعارف القتالية فحسب، وإنما تتعداها إلى العمل الخدماتي الذي يجعلهم يكسبون العقول والقلوب وينسجون علاقات وطيدة مع المجتمع المحلي. ففي حين يشتكي القائد العسكري للواء التوحيد «أبو توفيق» من قلة السلاح والمال، ويتذمر العقيد الركن «أبو بلال» من غياب انضباط المدنيين من الشباب وعدم التزامهم بالأوامر العسكرية خصوصاً إن أطول فترة تدريب لا تتجاوز 20 يوماً، يخضع عناصر النصرة لاختبارات كثيرة قبل قبولهم في صفوفها. ويتدرجون فيها ضمن هيكلية واضحة تقوم على «أمير» لكل منطقة يكون مسؤولاً عنها ويعمل بالتنسيق مع أمراء المناطق الأخرى ومقاتلين وعاملين مدنيين. الهيكلية الداخلية واضحة ومحكمة وليس من مكان فيها للارتجال أو التعسف. فالقرار موحد ومهمة تنفيذه توكل إلى مجموعات يحاسب قادتها على أدائها. هذا ويعيش المقاتلون في معسكرات خاصة خارج القرى، ويعملون في مراكز توزيع إغاثة تنتشر بين الأحياء السكنية لكنها تتفادى الاندماج الكلي فيها. فهذه مهمة جهادية متكاملة تبدأ بتوزيع رغيف خبز وتنتهي بالشهادة. هكذا سيطرت النصرة على مرافق حيوية مثل الأفران ومصفاة نفط ومعبر مع الحدود التركية وتعمل عبر شبكة أمان اجتماعي. ففي خراج إحدى بلدات الريف، وسط السهل، أقام عناصر النصرة مصفاة صغيرة يستخرجون منها المازوت. صحيح إنه غير نقي بما يكفي لتشغيل محرك السيارة لكنه على الأقل قادر على تشغيل المدافئ في البيوت، في غياب تام للكهرباء. وإلى ذلك راحوا يؤمنون قوارير الغاز بنصف سعرها ومؤناً ومواد استهلاكية تحمل كلها «لوغو» «جبهة النصرة». وإذ وضعت النصرة يدها على غالبية الأفران في المدينة، منعت اصطفاف المواطنين أمامها بما يعيق العمل وجعل المكان هدفاً سهلاً لقصف الطائرات. تحولت الأفران إلى العمل السري كمنشآت تحظى بحماية خاصة. وعلى مدخل أحد الأفران في حي طريق الباب في حلب، وقف «قبضاي» يمنع المتطفلين. ذاك إنه تم تعيين مسؤول عن كل فرن يراقب العمل ويشرف على تسلم الطحين وتسليم الكميات اللازمة لمندوبين في الأحياء. وهؤلاء المندوبون هم من أبناء الحي تعينهم الجبهة ويملكون جداول بأسماء العائلات وعدد أفرادها في القطاع الخاضع لهم. ولا يحق للشخص الواحد بأكثر من 3 أرغفة توزع بشكل دوري وفق توافر المواد. ويباع كيلو الخبز بـ 24 ليرة بينما كان بلغ خلال الأزمة 250 ليرة ولا يزال يباع في المناطق الخاضعة للنظام بـ 150 ليرة سورية. وصحيح أن أصحاب الأفران فقدوا سيطرتهم على مهن توارثوها أباً عن جد، لكنهم في المقابل ضمنوا تشغيل مصالحهم بعدما كانوا مضطرين لشراء المحروقات والطحين بأنفسهم، وبيع الخبز وسط المخاطر.

ومن الدروس المستقاة من العراق، تلك التي تجعل النصرة في بلاد الشام تتفادى التكفير العلني، وتتحاشى تنصيب أمراء أو قادة ميدانيين من المقاتلين الأجانب، ولا تلجأ إلى العمليات الانتحارية إلا في حال الضرورة القصوى. فهي ووفق مصادر محلية، لا تعد أكثر من 3 آلاف مقاتل في كامل سورية يشكل الأجانب بينهم أقل من 10 في المئة وتتلقى التمويل والسلاح بشكل مباشر ومن دون مشاركة مع أحد. واكتسبت الجبهة «سمعة طيبة» في المعارك لأن شبانها يقاتلون حتى الرمق الأخير وإن ضحوا بأنفسهم، فهم لا يهابون الموت لأنه طريق أقرب إلى الشهادة. وتعتمد الجبهة على الالتزام المطلق من عناصرها الذين تختارهم بعناية وتدربهم تدريباً صارماً وتعمل منفردة وإن بتقارب «فكري» مع بعض الكتائب مثل أحرار الشام، و«تنسيق» عملي في الخطوط العامة مع لواء التوحيد. تنسيق يبقى أقرب إلى التبليغ منه إلى الاستشارة الفعلية. لكن قادة التوحيد لا يبدو عليهم الامتعاض أو التنافس العسكري مع النصرة بل يرددون إن إنجازاتها تصب في مصلحتهم وتقربهم من تحقيق هدفهم، أي إسقاط النظام، مؤجلين خلافهم العقائدي معها إلى حين. وإذ يؤكد «أبو رامي»، قائد لواء النصر المحسوب على «العلمانيين» إن وجهة المقاتلين غالباً هي وسطية ومعتدلة، لا يجد ضيراً في انضمام لوائه إلى «جبهة تحرير سورية الإسلامية»، معتبراً إن الكلام في السياسة يأتي لاحقاً. أما «أبو توفيق» الذي حارب الأميركيين في العراق ضمن الأفواج الأولى التي خرجت للقتال، فيغازل «النصرة» حيناً ويجافيها حيناً آخر.

وما لم ينتبه إليه هؤلاء القادة إن جبهة النصرة وضعتهم بطريقة غير مباشرة في سباق معها على التدين وسبل تظهيره. فبالإضافة إلى كون ذلك باباً أساسياً لمصادر التمويل، فهو أيضاً تأشيرة سريعة إلى البيئات الحاضنة للثورة. هكذا، انطبعت الكتائب تدريجياً بطابع ديني، وأضفت على عملها مظهراً شرعياً عبر مشايخ تبنوها ومنحوها مباركتهم. فكثف لواء التوحيد عمله الإغاثي وإن بإمكانات محدودة، واعتمد «قائداً ميدانياً» هو رئيس «هيئة الأمر بالمعروف ونصرة المظلوم» الحاج أبو سليمان. ومن مهمات الحاج الذي يلف رأسه بعمامة سوداء ويحمل ماجستير إدارة أعمال من جامعة في ولاية تكساس الأميركية، توجيه المقاتلين دينياً في المعركة، وتعليمهم كيفية التعامل مع المناطق التي يستولون عليها لجهة حفظ أمن المدنيين والحفاظ على أملاكهم وفق الأصول الشرعية. وذلك عبر جلسات تلقينية وكتيبات توزع على المقاتلين تدعو إلى الجهاد وتعدد فوائده. كما ويشرف «الحاجي أبو سليمان» على توزيع المنازل المصادرة على «الأسر المنكوبة»، وتلك بلغت 860 شقة موزعة بين أحياء هنانو والحيدرية والباب!

وفيا تبدو «جبهة النصرة» كإحدى مدارس النخبة التي تفخر الأسر بانتماء أبنائها إليها، لا يجد قادة لواء التوحيد حرجاً في أن يقودوا كتائب بكاملها، فيما أبناؤهم الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و19 عاماً ينتسبون إلى النصرة. هكذا يفتخر «أبو بكري» الذي يلتهم السجائر أكثر من تدخينها، بأن ابنه بكري «يتعلم هناك القتال الحقيقي، والأخلاق الحميدة كما أقلع كلياً عن التدخين... وهذه مهمة نعجز عنها كآباء وقادة عسكريين». أما عن احتمال أن ينقلب الأمر عليهم ويعود أبناؤهم لتكفيرهم لاحقاً فليس وارداً عندهم. «نحن مسلمون أيضاً ومن يكفرني أخلع رقبته ولو كان ابني» يقول «الأصلي» ضاحكاً.

 

اضغط هنا لمشاهدة مجموعة صور للحياة في حلب

Partager cet article
Repost0
12 février 2013 2 12 /02 /février /2013 11:27

 

 صدور العدد 12 من جريدة الخط الأمامي لتيار اليسار الثوري في سوريا


الثلاثاء 12 شباط (فبراير) 2013


783.9 كيلوبايت
الخط الامامي عدد 12

تيار اليسار الثوري-سوريا

الخط الأمامي جريدة يصدرها تيار اليسار الثوري في سوريا، وهو مجموعة من المناضلين-ات الماركسيين واليساريين الثوريين الذين انخرطوا مع الثورة الشعبية منذ لحظة اندلاعها. ويدعون إلى أعمق التغييرات السياسية والاجتماعية في السيرورة الثورية الجارية، دفاعا عن المصالح العامة والتاريخية للكادحين والمضطهدين.

من محتويات العدد :

-  كلمة العدد: الثورة الشعبية والقوى الإسلامية

موقف حول الحوار مع النظام الدكتاتوري

الثورة الشعبية والقوى الإسلامية

الاعتداء المجرم ضد الطلبة في جامعة حلب

من شهداء اليسار الثوري

منبج نموذج لسوريا الحرة

عوامل صمود داريا..نموذج يحتدى في العمل العسكري

هل مبادرة معاذ الخطيب خيانة لمبادئ الثورة أم إنقاذ للثورة

احداث رأس العين مضرة بالثورة

الاشتراكية والشرطة

يسقط نظام التزوير.. والتجويع والاستبداد

عام سقوط الاقنعة...

الحوار مع الطغمة العسكرية، ما يأتي به وما يأخد

المغرب: ذكرى انطلاق حركة 20 فبراير، موعد حقيقي مع التغيير

الثورة والامبريالية في سوريا

الثورة الدائمة والربيع العربي

الامم المتحدة عاجزة عن إطعام مليون سوري

واقع العمال السورييين عام 2013: خطف وضرب وسلب والجناة "مجهولون"

سوريا : خطاب حرب

الحركة الطلابية في سوريا

الحوار مع الطغمة العسكرية

انتصارا لكاددحي وكادحات تونس...

 

 


Partager cet article
Repost0
10 février 2013 7 10 /02 /février /2013 12:01

2بيان

 

موقف حول الحوار مع النظام الدكتاتوري

 

شهد الشهر الاول من العام الحالي حدثين هامين على صعيد نشاط المعارضة السورية، الاول هو اجتماع هيئة التنسيق في جنيف نهاية ك2 واعادت في ختامه طرحها لفهمها لشروط الحوار مع نظام الطغمة الحاكمة. والحدث الثاني هو مبادرة الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني الذي طالب هو الاخر بحوار مشروط مع النظام.

لا يمكن لعاقل ان يرفض بخفة كل ما يمكن ان يوقف او يخفف من معاناة شعبنا وتضحياته العظيمة، ولكن هذا لا يعني، بدوره، القبول ومساندة اي مبادرة تدعي انها تسعى لذلك. فالحكم على هكذا مبادرات يخضع، من وجهة نظرنا، لمعيار تلبيتها من عدمه للشروط التالية: ان توفر للجماهير الشعبية القدرة على انهاض كفاحها ونضالالتها من اجل اسقاط النظام الدكتاتوري، وان لا توفر للأخير اطالة في عمره او بقائه، وبالأخص ان تفسح في المجال للتغيير الجذري من الاسفل لصالح الطبقات الشعبية وبما يخدم مصالحها المباشرة والعامة.

تتقارب مبادرتي هيئة التنسيق والشيخ معاذ في انهما تدعوان الى "تغيير فوقي" ، مع فارق ان مبادرة الشيخ الخطيب، مهما كان مصيرها النهائي، انما تعبر بشكل واضح عن رغبة البرجوازية التقليدية  و لا سيما الدمشقية منها، بإيجاد حل يحافظ على مصالحها الطبقية التي خدمها النظام القائم لعقود من الزمن ولكن الثورة الشعبية اصبحت تهددها تماما، فهذه البرجوازية اصبحت تشجع ضرورة قيام تغيير جزئي وفوقي في النظام الدكتاتوري ، يقتصر على الشق السياسي وليس الاجتماعي. وهذا اصلا ما يدعو له حلفاء النظام وايضا الدول التي تدعي صداقتها للشعب السوري، وكلا الطرفين لا يرغبان بانتصار الثورة الشعبية.

بهذا السياق، فإننا نعبر عن رفضنا لهكذا مبادرات لا تلبي متطلبات التجذير السياسي والاجتماعي من الاسفل للثورة الشعبية، ولا تساهم في تقوية الحراك الشعبي، على طريق الانتصار . 

كل السلطة والثروة للشعب

تيار اليسار الثوري في سوريا

دمشق في 10/2/2013

 

Partager cet article
Repost0
9 février 2013 6 09 /02 /février /2013 23:11
تونس: ماذا بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد؟
نشر في‫:‬السبت, شباط 9, 2013 
الشهيد شكري بلعيد|بعدسة أمين غرابي
الكاتب: جوزف ضاهر
ترجمه‫/ الى العربية‫:‬ وليد ضو      

‫اغتيال المناضل اليساري التونسي شكري بلعيد في ٦ شباط سبب سخطا كبيرا ودفع بالملايين من الشعب إلى النزول إلى شوارع البلاد. بعد تقديم موجز للشهيد شكري بلعيد، سيظهر هذا المقال كيف أن الاغتيال يأتي ضمن استمرار للمناخ السياسي العدائي ضد كل المعارضين|ات السياسيين|ات، خاصة اليساريين|ات منهم والنقابيين|ات، من قبل الحكومة التي يسيطر عليها حركة النهضة. لهذا السبب تتحمل هذه الأخيرة مسؤولية سياسية واضحة وكاملة ‬عن اغتيال شكري بلعيد، على الرغم من واقع أننا لا نعرف حتى الآن من هم المجرمين الحقيقيين، حتى وأن معظم الشكوك تحوم حول مجموعات سلفية المسماة "لجان حماية الثورة"، وهي ميليشيا تتبع لحركة النهضة. في النهاية، سنناقش الجواب الوحيد والحل للرد على اغتيال بلعيد من أجمل ضمان الحقوق الديمقراطية والاجتماعية- الإقتصادية للشعب التونسي بهدف متابعة الثورة عبر حركة شعبية بهدف إسقاط الحكومة البرجوازية والرجعية التي يقودها حركة النهضة.

شكري بلعيد
ولد شكري بلعيد في جبل الجلود وهي ضاحية فقيرة للعاصمة تونس. وانتسب منذ صغره في تنظيم سياسي سري ويساري، حركة الوطنيين الديمقراطيين (والمعروف باسم الوطد، وقريب من الأيديولوجيا الماوية).

سريعا ما أصبح نجما لامعا خلال الحراك الطلابي في تونس خلال الثمانينات. وبعد أن تسجل في الجامعة، بلعيد أصبح زعيم حركة الوطنيين الديمقراطيين.

وخلال نشاطه، أصبح الزعيم المغتال مطاردا من أجهزة المخابرات، الأمر الذي دفعه إلى العمل السري، وخلال أواسط الثمانينات، اعتقل خلال الاشتباكات بين الطلاب والشرطة. وأجبر حينها على العمل الإجباري مع مجموعة من الطلاب في منطقة صحراوية نائية في رجيم معتوق.

بلعيد أطلق سراحه عندما وصل زين العابدين بن علي إلى السلطة، في خطوة كان يهدف تحقيق الانفتاح السياسي.

بلعيد تابع نشاطه حتى عام ١٩٩٢، ليصبح واحدا من القادة التاريخيين للحركة الطلابية التونسية، في العام نفسه سافر إلى العراق لإنهاء إجازته في الحقوق، ومن ثم إلى فرنسا لإتمام دراساته الجامعية.

في نهاية التسعينيات، عاد إلى تونس وبدأ ممارسة ممارسة مهنة المحاماة. وباعتباره ناشط تقدمي في قضايا حقوق الإنسان ومحام، التزم بقضايا حرية التعبير وقدم استشارات قانونية للحركة النقابية. المحامي اليساري لم يتردد في الدفاع عن السلفيين الذين اعتقلهم نظام بن علي. بلعيد دافع بشدة عن المساجين من العمال في مناجم حوض قفصة عام ٢٠٠٨، وشارك منذ بداية الثورة التونسية في المظاهرات في ١٧ كانون الأول عام ٢٠١٠. واعتقل في اليوم الأخير قبل فرار بن علي من البلاد.

اغتيال بلعيد: استمرار الأجواء العدوانية ضد المعارضة
في اليوم الذي سبق اغتيال شكري بلعيد، ظهر بلعيد على تلفزيون نسمة، متحدثا عن العنف والاغتيال السياسي. وقد دعي إلى هذه الحلقة التلفزيونية بعد أيام قليلة على ٢ شباط، حين شارك في المؤتمر الإقليمي لحركة الوطنيين الديمقراطيين، في الكاف، مدينة في شمال غربي تونس، حينما قامت ميليشيات "لجان حماية الثورة" بمهاجمة المناضلين المشاركين في المؤتمر كما حاولوا الصعود على المنصة بهدف مهاجمة شكري بلعيد. بالإضافة إلى كل ذلك، جرى تخريب منزله خلال شهر رمضان، في وقت أكدت زوجته وعدد من أصدقائه ومعارفه في الجبهة الشعبية أنه تلقى رسائل تهديد بالاغتيال. وقبل أسبوع على اغتياله، انتشر فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، تظهر فيه مجموعة من السلفيين يدعون فيه إلى قتله. وفي اليوم السابق على اغتياله، دعا إلى حوار وطني لمناقشة مسألة العنف، وطالب الحكومة بإقرار قانون لملاحقة الجماعات الخارجة عن القانون والتي تستهدف الحريات في البلاد.

المناضل اليساري هو الضحية الثانية لجرائم ذات دوافع سياسية بعد اغتيال لطفي نقض، وهو كان عضوا في حزب نداء تونس (الذي يضم أعضاء سابقين حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، وبعض الليبراليين والشيوعيين السابقين)، لطفي اغتيل في تشرين الأول ٢٠١٢ بواسطة أعضاء من "لجان حماية الثورة"، وهي ميليشيا مرتبطة، كما سبق وأشرنا أعلاه، بحركة النهضة، في تطاوين. وقد دعا بيان حديث لحركة النهضة الحاكم إلى إطلاق سراح قاتلي السيد لطفي نقض، في حين استقبل الرئيس المؤقت للجمهورية ممثلي "لجان حماية الثورة"، وبالتالي قدم لهم الضوء الأخضر لإكمال السلوك الإجرامي لهذه الميليشيات.

ومنذ الصيف الماضي، نفذت عدة هجمات ضد مظاهرات واجتماعات الجبهة الشعبية (وهو تجمع يضم قوى يسارية وقومية) وضد أحزاب وجمعيات أخرى.

وجرى استعمال ميليشيات "لجان حماية الثورة" لمهاجمة المظاهرات، وخاصة الناشطين|ت السياسيين|ات ونقابيي|ات الاتحاد العام التونسي للشغل.

وأبرز مثال على استعمال هذه الميليشيات هي في الهجوم على مراكز الاتحاد العام التونسي للشغل في كانون الأول ٢٠١٢ من قبل ميليشيات مسلحة بالعصي والسكاكين وقنابل الغاز مسببة بوقوع عشرات الإصابات في تونس. وذلك خلال إحياء الذكرى الستين لاغتيال زعيم ومؤسس الحركة النقابية التونسية فرحات حشاد في ٤ كانون الأول ٢٠١٢.

ومنعت الجماعات السلفية عدة حفلات ومسرحيات في عدة مدن تونسية، مدعية أنها تخالف المبادئ الإسلامية خلال عام ٢٠١٢، كما حرق مقام سيدي أحمد الورفلي في أكودة، منطقة تبعد ١٤٠ كلم عن تونس، بواسطة زجاجات حارقة في الليل من قبل مجهولين، لكن شكوك كبيرة تحوم حول إمكانية ضلوع مجموعات سلفية في هذه الهجوم.

عنف هذه الميليشيات ترافق مع قمع وحشي من السلطة بوجه المدافعين عن حقوق الإنسان. وجرى اعتقال العديد من النقابيين عدة مرات بسبب معارضتهم للسياسات الحكومية وبسبب ممارستهم نشاطات نقابية. وعلى سبيل المثال، اعتقل عبد السلام حيدوري، نقابي ومنسق اعتصام قصبة الأول والثاني، والعضو في رابطة اليسار العمالي، في قرية العمران، عقب مظاهرة تطالب بالحق بعمل لائق وتنمية عادلة لكل المناطق. وفي ليل ٢٧ أيلول ٢٠١٢، هاجمت الشرطة المظاهرة بعنف يذكرنا بحقبة بن علي، واعتقل ٢٥ شخصا، من بينهم عبد السلام حيدوري. الذي أفرج عنه لاحقا.

من هنا نفهم أن اغتيال شكري بلعيد يأتي ضمن سياسة قمعية لكل نوع من أنواع المعارضة للحكومة التي تسيطر عليها حكومة النهضة. وقد تزايدت الهجمات في الأشهر الأخيرة بسبب تزايد الاستياء بين التونسيين وفي الجبهة الشعبية. تأسيس الجبهة الشعبية جاء تتويجا لتحضير طويل لبلورة قطب شعبي وعمالي ثالث لمواجهة القطب التي تهيمن عليه الترويكا التي تتألف من الإسلاميين من جهة، ومن جهة أخرى، القطب الثاني الذي يتكون من ليبراليي النظام السابق و"ديموقراطيين" مناهضين للنهضة.

تزايد السخط ومعارضة حكومة النهضة
استخدام العنف من قبل حكومة النهضة من خلال القوى الأمنية أو عبر الميليشيات يجب فهمه من خلال سياق فاشل للحكم، والتي أدى إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية للشعب التونسي من جهة، ومن جهة أخرى ساهم في الانجراف البلاد نحو ديكتاتورية جديدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الهيئة التأسيسية المنتخبة في تشرين الأول عام ٢٠١١ لمدة سنة واحدة لا تزال تراوح مكانها ولم تقدم بعد مشروع دستور جديد.

عانت الطبقة العاملة التونسية والطبقات الشعبية بشكل عام من السياسات الليبرالية المتطرفة للحكومة، بالإضافة إلى إرث نظام بن علي، دافعة البلاد نحو أزمة اجتماعية واقتصادية تزداد عمقا. وتشكل المؤسسات العامة هدفا للحكومة بهدف بيعها إلى حكومات الخليج، خاصة قطر. وتراجعت القدرة الشرائية للعمال بشكل متسارع خلال الأشهر القليلة الماضية. والتزمت الحكومة التي تسيطر عليها النهضة بتطبيق "التزامات" تونس المفروضة عليها من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وذلك من أجل منح الحكومة قروضا بمليارات الدولارات. هذه القروض من شأنها أن تتحكم بالبلاد من خلال سياسات اقتصادية تقشفية وإجراءات نيوليبرالية مثل اتفاقات التجارة الحرة بين تونس والاتحاد الأوروبي. هذه السياسات ليست فقط استكمالا لحقبة بن علي البائدة، إنما هي تعميق للنظام النيوليبرالي وبالتالي زيادة إفقار إفقار المجتمع التونسي.

ويلعب النقابيون دورا أساسيا في التعبئة الشعبية وفي خلق دينامية حقيقية تنتشر بين النقابيين وداخل بقية الحركات الاجتماعية. ودور الاتحاد العام التونسي للشغل كان أساسيا لتطور هذا التمفصل، على الرغم من بعض القصور التي لا تزال موجودة على مستوى القيادات العليا البيروقراطية داخل الاتحاد العام. والتعبئة الجماهيرية ضد سياسات الحكومة والنهضة ثابتة وتشمل مختلف قطاعات المجتمع.

في الأشهر الأخيرة، عمت موجة من الإضرابات ضد سياسات النهضة. وقد دعي إلى إضراب لأساتذة مرحلة التعليم الثانوي في مختلف أنحاء تونس خلال ٢٢ و٢٣ كانون الثاني. ومشاركة المعلمين في هذا الإضراب كانت لافتة: ففي تونس شارك ٩٥ بالمئة في الإضراب، وفي بن عروس ٩٥ بالمئة، في منوبة ٨١ بالمئة، والمهدية ٩٥ بالمئة، وصفاقس ٩٥ بالمئة، ومنوبة ٩١ بالمئة، وأفيد عن تسجيل النسب ذاتها في بقية المناطق.

وفي الآونة الأخيرة، في مدينة سليانة (جنوب غربي تونس) شهدت عدة مظاهرات وإضرابات حولت الأيام الأخيرة من شهر تشرين الثاني الماضي إلى اشتباكات حقيقية بين الشرطة والمحتجين، موقعة ٣٠٠ جريح. ساهمت هذه التعبئة بتحقيق لبعض مطالب المحتجين بما في ذلك استقالة المحافظ، والتعجيل في محاكمة العدد القياسي للمعتقلين منذ نيسان ٢٠١١ ومساعدة الجرحى، ووضع برنامج تنمية جديد ولم يتضح بعد محتواه.

في منطقة القصرين، نظمت عدة إضرابات في ماجل بلعباس في شهر آب، وفي تالا وسبيبة وحاسي الفريد والعيون في تشرين الأول.

خلال الصيف الماضي، شهدت البلاد موجة تظاهرات من أجل المطالبة بالحق بالمياه والكهرباء، وكذلك بهدف الدفاع عن حقوق المرأة. كما تحركت نقابة الصحافيين من أجل التنديد بالحكومة التي يهمين عليها حركة النهضة، التي، ومنذ بداية هذه السنة، فرضت إدارات جديدة على كل من التلفزيون والراديو والصحف الرسمية من دون الأخذ برأي الصحافيين|ات والمنظمات المهنية. واتهموا السلطات بنيتها السيطرة على الخط التحريري لوسائل الإعلام هذه.

الرد على اغتيال شكري بلعيد: الثورة الدائمة!
الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل في ٨ شباط خلال جنازة الشهيد بلعيد نجح إلى حد بعيد، إذ شمل قطاعات عديدة من المجتمع وتراوحت عدد المتظاهرين بين مئات الآلاف والملايين بحسب تقديرات المشاركين في التظاهرات في مختلف أنحاء البلاد. وقد شوارع تونس من المارة وأغلقت المحال التجارية أبوابها وتوقفت سيارات التاكسي عن العمل، في حين انتشرت ملصقات بلعيد في كل مكان. وشارك ٥٠ ألف شخص في مسيرة تشييع الشهيد بلعيد في العاصمة تونس، يهتفون له، ويعدونه باستكمال النضال، كما هتفوا "الشعب يريد ثورة جديدة"، كما تظاهر مليونا شخص في العاصمة تونس.

أما مطالب الاتحاد العام التونسي للشغل التي وردت ضمن بيان دعوته لإضراب ٨ شباط فهي التالية:
١- الطلب من الحكومة ضمان الأمن.
٢- حل "لجان حماية الثورة".
٣- إلقاء القبض على مرتكبي الجرائم والتعديات على حقوق الإنسان.
وتحول يوم ٦ شباط إلى يوم وطني لمناهضة العنف السياسي.

وفي الأيام السابقة، شارك الآلاف في مظاهرات في العاصمة تونس وعدة مدن مثل سيدي بو زيد، والمهدية وسوسة. وجرت مهاجمة مراكز النهضة والشرطة في مختلف أنحاء تونس.

وشارك الآلاف من المعلمين والمحامين والقضاة في مظاهرات يوم الخميس للاحتجاج على مقتل شكري بلعيد. وتظاهر المحامون والقضاة هاتفين "الشعب يريد قضاء مستقل". منذ بداية الثورة، لم تتخذ أية إجراءات لضمان استقلال السلطة القضائية. ويتهم العديد من القضاة الحكومة الحالية بأنها تحاول تدجين واستغلال الجهاز القضائي، كما كان يحصل خلال أيام الديكتاتور بن علي.

في الوقت نفسه، دعمت الجبهة الشعبية والحزب الجمهوري والمسار ونداء تونس الإضراب العام وعلقت مشاركتها في الهيئة التأسيسية.

ورفضت النهضة اقتراح رئيس الحكومة حمادي الجبالي، العضو في حركة النهضة، القاضي بحل الحكومة وتشكيل حكومة محايدة من التكنوقراط لتحكم حتى الانتخابات القادمة، تدل على تطرف جديد للحركة. ومن الواضح أن النهضة ستتمسك بالسلطة بكل الوسائل الممكنة، سواء كانت عنيفة أو لا.

الرد الأفضل على اغتيال شكري بلعيد، والطريقة الأمثل لإحياء ذكراه هي بمتابعة الثورة وإسقاط حكومة النهضة. إحراق والهجوم على مقار الحركة لا تشكل انتقاما لموت شكري بلعيد ولا تضع حدا لحكم هذا الحزب. وقد حاول العديد من أعضاء الجبهة الشعبية في مجمل أنحاء تونس تهدئة المتظاهرين|ات الغاضبين|ات خلال الأيام الماضية. تعزيز الحركة الشعبية من خلال تعبئة وتجذير كل قطاعات المجتمع يجب أن تكون هدفا لكل الرفاق والرفيقات في تونس اليوم. ويجب بناء المقاومة القاعدية في كل حي، وقرية ومدينة ومع كل طالب وطالبة وعامل وعاملة يريد وتريد التحرر. ويجب على الجبهة الشعبية أو أي حزب تقدمي أن لا يعقد أي حلف مع أعضاء من نظام بن علي، والذين يشاركون في حزب نداء تونس مثل زعيمه الباجي قائد السبسي، الذي شغل بين عام ١٩٩٠ و١٩٩١ منصب رئاسة مجلس النواب وانتهت ولايته البرلمانية عام ١٩٩٤. والنقد الوحيد لحزب نداء تونس للحكومة الحالية يتعلق بالوضع الأمني ولا تقول كلمة واحدة ضد سياساتها الاقتصادية والاجتماعية. وانضم رموز بارزة في نظام بن علي إلى حزب نداء تونس ويدعون الديمقراطية ومناهضة النهضة ولا يمكن ذلك أن يخفي مسؤوليتهم عن السياسات السابقة، وليس هناك أي شك بأنهم لو وصلوا إلى السلطة فإنهم سيمارسون القمع بمختلف أشكاله تماما كما فعلوا في السابق.

يجب أن يكون شعار الرفاق "لا لبن علي! لا للنهضة! نعم للثورة الدائمة!". النضال هو صراع طبقي وليس صراعا بين علمانيين وإسلاميين، ولكن بين الطبقة البرجوازية الممثلة بقيادات نظام بن علي وحركة النهضة ضد الطبقات الشعبية (العمال والعاملات، والطلاب والطالبات والفلاحين والفلاحات). معارضتنا للنهضة تقوم على أسس مناهضة السياسات البرجوازية والرجعية لقياداته وليست موجهة ضد العقيدة الدينية وممارسات أعضائها الدينية، والتي هي من حقوقهم الأساسية والتي ينبغي عدم منعها، طالما أنهم لا يفرضونها بالقوة على المجتمع. ومعارضتنا لحركة النهضة تقوم على سياساته الرجعية والقمعية ضد النقابيين|ات والمناضلين|ات السياسيين|ات، وضد سياساته النيوليبرالية، وضد هجماته على حقوق المرأة….

حركة النهضة تتصرف بوصفها عقبة وقوة مضادة للثورة، ولذلك يجب أن يكون مصيرها مشابها لمصير نظام بن علي: يجب إسقاطها.

سيتم الانتقام للشهيد شكري بلعيد مع انتصار الثورة وتحقيق تحرر الشعب التونسي، ولا سيما من خلال حصولهم على كامل حقوقهم الديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية.

المجد لشهداء الثورة، وعاشت الثورة الدائمة!

Partager cet article
Repost0
8 février 2013 5 08 /02 /février /2013 11:10

 

 المناضل-ة تحاور الرفيق غياث نعيسة: الثورة السورية، وضعها الراهن وآفاقها


الثلاثاء 29 كانون الثاني (يناير) 2013

غياث نعيسة


تقترب الثورة السورية من إتمام عامها الثاني، ففي مارس القادم ستحل الذكرى الثانية لاندلاعها، و حصيلة حرب النظام الفاشي: مائة ألف شهيد ومئات الآلاف الجرحى، و أكثر من ثلت المساحة السورية أصبحت خرابا من بينها ثلاثة ملايين بيت سويت مع الأرض.

وبوجه صرخات الشعب السوري، تعلو طلقات الرصاص وفوهات الدبابات وأزيز الطائرات الحربية. وبالرغم من كل مناورات النظام العسكرية والسياسية، لازال الشعب السوري مصرا على نيل حريته، فالمظاهرات مستمرة و المقاومة المسلحة صامدة.

بهذف إطلاع قراء جريدة المناضل-ة وقارئاتها، حول الحالة الراهنة للثورة السورية، ومستقبلها، كان لنا حوار مع الرفيق غياث نعيسة، وهو طبيب ومناضل منفي، وأحد مؤسسي لجنة الدفاع عن الحريات الديمقراطية بسوريا (CDF)، التي أسست في كانون الأول/ديسمبر عام 1989، معظم أعضائها تم اعتقالهم أو أرغموا على اختيار المنفى. كما أن الرفيق مناضل في صفوف تيار اليسار الثوري في سوريا.



arton3146.jpg

المناضل-ة: طرح الديكتاتور بشار الأسد في خطابه ٦ كانون الثاني ٢٠١٣ في دمشق مبادرة تشكيل حكومة جديدة وعفو عام جديد، و دعا مرة أخرى إلى "تعبئة مجمل الأمة" لمواجهة الثوار الذين وصفهم بـ"إرهابيي القاعدة"، كما دعا إلى مؤتمر للمصالحة الوطنية، ما دلالات المبادرة سياسيا ، و ما أوجه تأثيرها في مجرى الثورة؟

غياث نعيسة: لقد جاء خطاب الطاغية بشار الأسد المذكور بعد شهور من الصمت المطبق، وفي أسبوع شهد عدد من المبادرات والمناورات الدبلوماسية للدول الكبرى بخصوص الملف السوري، وخاصة الاعلان عن لقاء في 11 من كانون الاول/ديسمبر 2012 في جنيف ضم ممثلي الحكومتين الامريكية والروسية مع المبعوث الدولي لسوريا الأخضر الابراهيمي .

كان احد أهداف الطاغية من خطابه، أن يستبق لقاء جنيف المذكور ليوضح السقف الاعلى لما يمكن ان يقبل به في أي مبادرة او مفاوضات محتملة. وكان واضحا في خطابه أن مسألة تنحيه عن السلطة هو أمر غير مقبول له أبدا. وركز خطابه على اجترار ادعاءات نظامه بأن ما يواجهه في سوريا انما هو "اعتداء خارجي" وأن ما يجري في بلادنا "ليس ثورة" بل مجرد عصابات " من القتلة والمجرمين" وانه يواجه ارهاب القاعدة.

في الواقع، كان خطابه اعلان صريح على اصراره في متابعة حربه ضد الشعب الذي خرج يطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

ومن الاهداف الاخرى لخطاب الدكتاتور، محاولته رفع معنويات وطمأنة أتباعه ومواليه بانه ما يزال قويا وصامدا.

أما في ما يخص ما ورد في خطابه عن فهمه للحل "السياسي" الذي يطرحه النظام الدكتاتوري، فهو لا شيء أخر سوى تكرار لما سبق أن وعد به ولم ينفذه أبدا. وهو حل لا يستجيب للحد الادنى من مطالب الشعب الثائر، وهو بالتالي بلا قيمة . فقد رفضته أغلب اطراف المعارضة السياسية ورفضه كل مكونات الحراك الشعبي، الذي أدرك بعفويته أن هذا النظام البرجوازي الدكتاتوري الدموي عصي على أي اصلاح، والحل الوحيد هو اسقاطه.

المناضل-ة: سعت القوى الامبريالية لفرض تسوية على الطريقة اليمنية، بالتضحية برأس النظام والحفاظ على هياكل نظامه سالمة، فلا مصلحة لها في انهيار مجمل نظام حافظ على هدوء تام مع الحدود الإسرائيلية منذ 1973، هل لازال هذا الرهان قائما؟

غياث نعيسة: لقد وقفنا مبدأيا، نحن في تيار اليسار الثوري، ومنذ بداية الثورة ضد أي تدخل عسكري خارجي ، ولكننا كنا نرى في نفس الوقت أن ترويج بعض اطراف المعارضة المحافظة والليبرالية له ، و لا سيما المجلس الوطني السوري، أو تخويف بعضها الاخر منه، مثل هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي او بعض بقايا الاحزاب الشيوعية الموالية للنظام، انما هو ترويج او تخويف لوهم لا توجد في الوقائع الفعلية ما يدفع له، فالتدخل العسكري الفعلي هو ما تقوم به روسيا وايران لصالح النظام، في حين ان قطر والسعودية قدمت قليل من الدعم العسكري لبعض المجموعات القريبة منها سياسيا.

ولكن موقف القوى الامبريالية الكبرى وعلى رأسها الولايات، التي تتوافق بموقفها مع القوة الامبريالية الاخرى وهي روسيا، كان ومنذ البداية الدعوة للقيام بما أسموه "انتقال منظم" في سوريا بمعنى الدعوة الى تغييرات جزئية وفوقية في هيكلية النظام فحسب. وليس حتى بالضرورة على شاكلة السيناريو اليمني. بل وتكرر هذه القوى الامبريالية منذ عامين، لاسباب جيو استراتيجية منها حماية الكيان الصهيوني ومنع انتصار الثورة الذي يعني انتشارها الى كل المشرق العربي بما فيها الملكيات النفطية الرجعية ، على أن الحل في سوريا سيكون سياسيا وليس عسكريا. لكن هذا لا يعني ان بعض الدول الاقليمية الحليفة للإمبريالية مثل قطر والسعودية وتركيا دفعت، وما تزال، باتجاه اسقاط النظام من خلال دعمها الحصري للقوى الاسلامية والسلفية السورية. لكننا بدأنا نلاحظ تراجع في الموقف السعودي برز من خلال تصريح وزير الخارجية السعودي الاخير خلال زيارته لمصر، ودعا خلاله الى أن الحل في سوريا هو "حل سياسي" بخلاف الموقف القطري والتركي المراهن حتى الأن على دعم القوى الاسلامية والسلفية عسكريا وماليا.

أما الموقف الإسرائيلي فقد عبر عنه بوضوح وزير دفاعها السابق ايهود باراك ، الذي اعلن مبكرا في العام الماضي أن الحل في سوريا يجب ان يستند على القواعد التالية :" تحقيق مخرج أمن ومشرف لبشار الاسد والحلقة القريبة منه، الحفاظ على الجيش وتماسك المؤسسة العسكرية ، والحفاظ على أجهزة الأمن وعلى حزب البعث".

والحال، فان الدول الامبريالية والكيان الصهيوني، ترى ان الدمار الذي يجرى في البنية التحتية لسوريا و الدمار الذي يصيب قدراتها العسكرية انما يتناسب مع مصالحها على المدى البعيد، وهو انما يضعف قدرات هذا البلد على كل الصعد وكائنا ما كانت طبيعة نظام الحكم القادم.

المناضل-ة: في ظل الاستنزاف الاقتصادي بفرض العقوبات الدولية وتهريب البرجوازية السورية لأموالها للخارج وبالخصوص إلى مصر، ودخول مناطق من العاصمة الصناعية حلب لبؤر التظاهرات، وأيضاً في ظل الاستنزاف السياسي بقطع العلاقات وسحب السفراء واستمرار الانشقاقات عن السلطة، و كذلك انشقاقات العسكريين عن الجيش، إلى أي حد تتوقع صمود النظام بعد عامين من الاحتجاجات الشعبية؟ وعلى ماذا يراهن بالضبط؟

غياث نعيسة: صحيح أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في حالة تدهور مريع، وأن هنالك انشقاقات متواصلة في صفوف قوات النظام ويتعرض الى خسارة العديد من المواقع العسكرية، اضافة الى العقوبات والحصار الذي يتعرض له.

لكن النظام الدكتاتوري ما يزال يمتلك قدرات عسكرية مدمرة وهائلة، وما تزال مؤسساته العسكرية والأمنية الاساسية متماسكة- وهي التي تشكل جوهر السلطة الحقيقي- وفاعلة، وبالرغم من الانشقاقات التي حصلت فيها خلال العامين الماضيين لكنها لم تصل الى حد يؤدي الى انهيارها. ويوفر حلفاء النظام- نقصد روسيا وايران و الحكومة العراقية وحزب الله- له كل وسائل الدعم اقتصاديا وعسكريا وامنيا ولوجستيا ودبلوماسيا.

بخلاف أنظمة الحكم التي سقطت بفضل الثورات في كل من تونس ومصر التي تخلى حلفائها عنها، فان النظام السوري يحظى بدعم صريح من حلفائه الذين لم يتخلوا عنه. وفي الاسبوع الاول من العام الحالي قدمت ايران للنظام السوري قرضا بقيمة مليون دولار وكانت قد قدمت له خمسة مليارات دولار العام الماضي. هذا على سبيل المثال.

هذا الدعم من حلفاء النظام، اضافة الى تماسك قواه العسكرية- الامنية تعطيه القدرة على الاستمرار طويلا في حربه الوحشية ضد الشعب .

وتراهن الدكتاتورية السورية الحاكمة على قناعة لديها بقدرتها على انهاك ملايين المواطنين في المناطق الثائرة، من خلال تدمير مقومات الحياة فيها وسحق العلاقات الاجتماعية الاساسية . وايلام الجماهير الثائرة الى حد يدفعها الى اليأس والقنوط والاستسلام والتخلي عن استمرارها في الاحتجاج والثورة.

فقد أدت وحشية النظام الى تهجير نحو 4 ملايين مواطن يعيشون في ظروف غير انسانية، ودمر تماما نحو مليون منزل، وتجاوز عدد الشهداء الستين الفا و يقترب عدد اللاجئين في الدول المجاورة نحو مليون مهاجر.

إنها سياسة الدمار الكامل للمناطق الثائرة وحصارها المحكم ومنع وسائل الحياة عنها.

لكن عزيمة الجماهير الشعبية واصرارها على الخلاص من الدكتاتورية و من اجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لم تفلن فالشعب يريد اكثر من ذي قبل اسقاط هذا النظام المجرم وهو يحقق خطوات كبيرة الى الامام على هذا الطريق رغم هول الالام والتضحيات.

المناضل-ة: المقاومة المسلحة عبارة عن مجموعات "اسلاموية مسلحة"، إلى أي مدى تصح هذه الصورة التي تقدمها وسائل الإعلام؟

غياث نعيسة: القول بان المقاومة الشعبية المسلحة هي مجرد مجموعات "اسلاموية" هو ادعاء مغالى يفتري على الثورة السورية وصورة كاذبة عنها، ساهم في ترويجها، لأسباب في نفس يعقوب، وسائل اعلام وفضائيات الملكيات النفطية الرجعية- التي تخشى انتصار الثورة الشعبية السورية لما سيكون لها من تأثير ثوري على شعوبها- وخاصة الجهاز الايديولوجي لمشيخة قطر واقصد قناة الجزيرة.

هذا لا ينفي حقيقة تزايد المجموعات الجهادية السورية وغير السورية وخاصة منذ بداية العام الماضي، والتي حازت وتحوز، كما سبق ان ذكرت، على دعم عسكري ومالي لها من قطر والسعودية.

لكن علينا ان نعود الى حقائق الواقع، فالمقاومة المسلحة هي مقاومة شعبية أولا واخيرا. فقد حمل جزء من الجماهير الشعبية، والتي كانت تتظاهر، السلاح كرد فعل على وحشية النظام المريعة في قتله الواسع للمتظاهرين والتنكيل بهم واهاناته للسكان المدنيين. اذن، المقاومة المسلحة هي ذلك الجزء من الشعب الثائر الذي قرر حمل السلاح لمواجهة الدكتاتورية وللدفاع عن نفسه.

ويقدر عدد مقاتلي المقاومة الشعبية المسلحة الى اكثر من مائة الف مقاتل، في حين ان اغلب التقارير تشير الى ان عدد مقاتلي المجموعات الجهادية هو نحو خمسة الاف مقاتل، فلنقل فرضا انهم ضعف هذا العدد، إذن بخلاف الادعاء المذكور فانهم لا يشكلون سوى حالة هامشية ومحدودة مقارنة بحجم المقاومة الشعبية المسلحة، وليس لها تواجد او نفوذ جماهيري ملموس. لذلك علينا ان لا نبالغ بدورها وحجمها ونفوذها، مثلما ان علينا ان لا نتجاهل ضررها على مسار الثورة، وضرورة فضح ممارساتها السيئة واطروحاتها السياسية والاجتماعية المغرقة في الرجعية.

وهذا ما يقوم به الحراك الشعبي، عبر المظاهرات المستمرة التي لم تتوقف، والتي انتقدت مرارا هذه المجموعات الجهادية واهدافها الرجعية.

للثورة الشعبية السورية اليوم سياقين الاول سلمي والثاني مسلح، نحن نراهن على نهوض اقوى للحراك الشعبي - الذي لم يعد، ومنذ نحو عام يخرج من الجوامع، وهذه كانت حجة بائسة لبعض اليسار الانتهازي لتبرير تحالفه مع الدكتاتورية - واعادة هيكلة العمل المسلح بربطه بالحراك الشعبي و ببرنامج الثورة الشعبية، وبناء قيادة ثورية جماهيرية بديلة –عن المجلس او الائتلاف الوطني اللذين يعبران عن معارضة محافظة وليبرالية- لأن ذلك شرط لأفاق تقدمية لانتصار الثورة.

المناضل-ة: بالرغم من فزاعة المساعدات و الدعم الضخم الزائف للإمبريالية الأمريكية وقطر والسعودية ولكن الرفض الفعلي تقديم أية مساعدات عسكرية، كيف ترى قدرة هذه المقاومة المسلحة في ظل تواضع إمكاناتها، على الاستمرار في معركتها وتأثيرها في مسار الثورة؟

غياث نعيسة: سبق أن قلت أن قطر خصوصا والسعودية قدمتا تسليحا وتمويلا لمجموعات جهادية فحسب، لكن ما تقولونه صحيح تماما، فالمقاومة الشعبية المسلحة لا تتلقى الا القليل جدا من الدعم بالسلاح والذخائر، وهذا الامر اصبح مصدر ادانة وفضح من مكونات العمل المسلح كالجيش السوري الحر، حتى الدعم المالي لم يكن بمستوى وعود الدول التي تدعي انها من "اصدقاء الشعب السوري" فاطراف المعارضة الليبرالية المذكورة اعلاه اصبحت تصدر البيانات تلو البيانات لفضح ان وعود هذه الدول لم تحترم وان دعمها المالي شح وضعيف.

وحقيقة الامر، ان المجلس الوطني السوري الذي يهيمن عليه الاخوان المسلمين قد جير الكتلة الاساسية من تمويل المجلس لصالحهم كتنظيم للإخوان عبر محاولاتهم شراء الولاء لهم عبر عمليات الاغاثة او المساعدة، وهذا ما ادانته عشرات المظاهرات واللافتات الجماهيرية، وفشل الاخوان المسلمين في تحقيق هدفهم الى حد كبير.

ولم تعد للمقاومة الشعبية المسلحة ثقة تذكر بهذه الدول التي تدعي صداقتها للشعب السوري، ولا بأي هيئات المعارضة المذكورة او الوسطية كهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي . فالمقاومة الشعبية المسلحة تعتمد بشكل اساسي في تسليحها على غنائمها من مخازن اسلحة قوات النظام التي تستولي عليها، وهذا هو مصدر تسليحها الرئيسي، اضافة الى تصنيعها المحلي والحرفي لبعض انواع الاسلحة وخاصة راجمات صواريخ صغيرة.

من المؤكد ان المقاومة الشعبية المسلحة تلعب دورا هاما في معركة الشعب السوري للتحرر من نير الطغمة الدكتاتورية الحاكمة، ولكنها تحتاج الى توحيد كتائبها فعلا تحت برنامج الثورة الشعبية السورية وليس تحت أي برنامج أخر. وفي الوقت نفسه، أصبح ملحا رفع وتيرة وتوسيع الحراك الشعبي لأنه الحامل الاساس للبرنامج الشعبي والثوري، مع تشكيل قيادة سياسية جماهيرية للثورة تندرج المقاومة الشعبية المسلحة الموحدة تحت رايتها.

بالرغم من كل الصعوبات والتحديات، وكما حصل في كل الثورات الشعبية، تتعلم الجماهير كل يوم من تجاربها واخفاقاتها وآلامها، وتلتمس بنفسها طريق الانتصار، ومهمة اليسار الثوري ان يندرج في كفاحها ويطرح برنامجها الثوري .

المناضل-ة: دك النظام كل المعالم المدنية في سوريا في أكثر من ثلث المساحة السورية، ويتجاوز عدد اللاجئين أربع مليون سوري، ويفتقر السكان بشكل مريع للمواد المعيشية الحيوية، وتعطل الإقتصاد بشكل شبه كلي،... كيف يسير السكان شؤونهم مع غياب الدولة؟ هل من أشكال التسيير الذاتي؟

غياث نعيسة: من المفيد أولا الاشارة الى ان الدوافع الاساسية للسيرورات الثورية في بلداننا هي الديناميات الاقتصادية- الاجتماعية. بمعنى آخر، إن القوى الاجتماعية الاساسية المحركة للثورة الشعبية السورية هي الطبقات الشعبية من العمال والكادحين والعاطلين والمهمشين اضافة الى الطلبة، وان هذه الثورة تفجرت بغياب قيادة سياسية ثورية جماهيرية لها.

و مع ذلك، فان الجماهير الشعبية الثائرة اقامت و من الاسفل أدوات تنظيم كفاحها الذاتي التي اشتهر اسمها في كل مكان وهي "التنسيقيات" الثورية. ولم تكتف بذلك فحسب، بل اننا نشهد توسع هام لإقامة "هيئات ادارة ذاتية" شعبية ومن الاسفل هي المجالس المحلية والمدنية، وان كانت ما تزال في طور أولي ولم تنتشر بعد على الصعيد الوطني، نتيجة القصف والدمار الذي يطال المناطق الثائرة و "المحررة".

تقوم هذه المجالس، وفي اغلب الحالات، على انتخاب اعضائها وتهتم بمهام ادارة الحياة اليومية للسكان، كتنظيم القطاع الصحي والاعاشة والاسكان والمواد المعيشية كالخبز وغير ذلك من احتياجات السكان.

لقد كنا نطرح نحن الماركسيون الثوريون، ومنذ عقود، بديل اشتراكي، على خلاف التجربة الستالينية القميئة، يقوم على سلطة العمال والكادحين ويستند على مجالسها المنتخبة ديمقراطيا. ولكن خبرة جماهير شعبنا وذاكرتها لم تكن تحتوي على هكذا خبرات، بل كنا نستند على خبرات الشعوب والثورات التي شهدها العالم في القرنين التاسع عشر والعشرين، و لا سيما كومونة باريس عام 1871 والثورة الروسية 1917، لكننا اليوم في سوريا، وبالتالي في عموم المنطقة، اصبحنا، بفضل الثورات الجارية في بلادنا، نمتلك هذه التجربة والخبرات التي اصبحت جزءا من تجربتنا المعاشة واليومية، لتصبح بذلك جزءا من تراثنا الثوري الراهن والقادم.

ويذكرني هذا بمقولة لهيغل: " ان بومة منيرفا لا تبدأ في الطيران الا بعد ان يدلي الليل سدوله".

المناضل-ة: يمثل الطلاب السوريون ربع شهداء الثورة، ونسمع صدى الشبيبة الطلابية في جامعة حلب وحمص ودمشق في تنظيم الكفاح، ما حجم المشاركة الطلابية في الثورة؟ وماهي الفئات ذات الدور البارز في ما يجري على الأرض من تظاهرات وأشكال كفاح؟

غياث نعيسة: نعم، لقد لعب الطلاب دورأ ناشطا وبارزا في الحراك الشعبي و منذ بداية الثورة وحتى الأن، وخاصة جامعة حلب التي اصبحت تسمى جامعة الثورة، وهي الجامعة التي تعرض طلابها الى مجزرة بشعة يوم 15 كانون الثاني/يناير 2013 حيث تعرضت ابنيتها الى قصف بالطيران راح ضحيته اكثر من 82 طالبا شهيدا ونحو مئتين من الجرحى، وهي الجامعة نفسها التي شهدت مظاهرات احتجاجية على هذه المذبحة يوم 18 كانون الثاني /ينايرمن نفس العام.

ولكن الحركة الطلابية لم تقتصر على جامعة حلب وحدها، بل شملت اغلب الجامعات السورية وخاصة جامعتي دمشق وحمص. فالشباب والطلاب ناشطون جدا في تنظيم المظاهرات وفي العمل الاعلامي وفي داخل التنسيقيات، ولم يتوقف نشاطهم لحظة واحدة رغم كل ما تعرضوا له من اقسى عمليات القتل والاعتقالات، كما شارك الطلاب بنشاط في المظاهرات الشعبية وليس الطلابية فحسب، وقدموا نسبة عالية من الشهداء. و الحركة الطلابية هي اكثر الشرائح الاجتماعية التي شاركت في الثورة بصفتها كذلك.

في حين انه، ورغم ان الطبقات الشعبية هي القوى الاجتماعية المحركة للثورة وفي مقدمتها العمال، الا ان العمال لم يشاركوا بصفتهم كطبقة مثلا ، بل بشكل فردي عموما، نتيجة للقمع الشديد للذي تعرضت له الحركة العمالية على مدى عقود ولسيطرة السلطة على الاتحاد العام لنقابات العمال، اضافة الى توقف اكثر من 3000 مصنع عن العمل نتيجة الدمار الذي سببه وحشية النظام الدكتاتوري.

كما يشارك في الثورة بشكل اساسي فقراء المدن والفلاحين والعاطلين عن العمل، وتلعب المرأة السورية دور هام وبارز على كل الصعد، واصبح معروفا اسماء العشرات من المناضلات لدورهن الهام في المظاهرات والتنسيقيات، كما انهن دفعن ثمنا عاليا من التضحيات كضحايا للقتل والاعتقال.

لقد استطاعت الجماهير الشعبية ان تبتدع اشكال عديدة للنضال، من بينها المظاهرات الجماهيرية الحاشدة، التي شهدتها، مثلا، في تموز العام الماضي مدينتي حماة ودير الزور، والمظاهرات السريعة (الطيارة) التي تدوم دقائق او اقل من ساعة، والمظاهرات في الاحياء الضيقة ، التي يصعب على الامن اكتشافها سريعا وتطويقها وتسمح بتشتت الثوار في الازقة الضيقة المتعددة في حال تعرضها للقمع، والمظاهرات الليلية، واطلاق البالونات التي تحمل شعارات الثورة، و اغراق البحيرات في الميادين الرئيسية للمدن الكبرى باللون الاحمر، ورفع اعلام الثورة في الشوارع والشرفات، واعادة تسمية الشوارع بأسماء شهداء الثورة، وايضا سلسلة من الاضرابات العامة التي كان اخرها في منتصف شهر كانون الاول من عام 2012 ودام لمدة يومين باسم اضراب العزة، وترفع الجماهير كل ايام الجمعة شعارات اكثرها موحدة تعمل من خلالها على الرد على وضع محدد او التعبير عن موقفها من قضية ما تعني مسار الثورة، وهي ايضا وسيلة لتشكيل وعي جماعي ومشترك ووسيلة لتعميم الخبرات والتجارب، وغير ذلك الكثير من اشكال الكفاح الجماهيري.

المناضل-ة: يعادي قسم من اليسار التقليدي الثورة السورية، ويقدم الجماهير الثائرة كألعوبة بيد الامبريالية، غير واعية بأهدافها، كيف يتدخل اليسار الثوري فيما نشهده من مقاومة سلمية ومسلحة؟ وما الأدوار المفترض أن يضطلع بها؟

غياث نعيسة: لقد انفضح، وبشكل فاقع ونهائي، الموقف الانتهازي والبائس من الثورات ولا سيما الموقف من الثورة السورية لليسار التقليدي في سوريا و في منطقتنا وعلى الصعيد العالمي، فقد جرت خلال ثلاثة اعوام من الثورات في منطقتنا اعادة اصطفاف جديدة على صعيد اليسار تقوم حول موقفه من الثورات الشعبية الجارية، وذلك يشبه الى حد ما، دون ان نبالغ، ما جرى من اصطفاف في اليسار العالمي عقب الحرب العالمية الاولى. هنالك اليوم يسار ثوري يقف مع ثورات الجماهير الكادحة وهنالك في الصف المقابل يسار انتهازي وخائن يتخذ بعضه موقفا وسطيا بين الدكتاتوريات والجماهير الثائرة وبعضه الاخر يقف بكل صفاقة مع الانظمة الدكتاتورية ضد الثورات الجماهيرية. والحجج كثيرة وتافهة لتبرير خيانته لقضية الثورة الشعبية، بعضها بحجة اصبحت باهتة هي معاداة الامبريالية (وكأن روسيا وامريكا ليستا كلتاهما امبرياليتين) او بحجة الخطر الاسلاموي، وكأن السيرورات الثورية مجرد ثمار يجب ان تنضج وفق مزاجنا وان تسقط ميكانيكيا بين ايدي اليسار، والا فإنها ليست ثورات؟

قام اليسار الثوري في سوريا، بمكوناته وافراده، ، بالانخراط الفعلي في الثورة الشعبية منذ انطلاقها، وقمنا نحن في تيار اليسار الثوري بطرح برنامجا واستراتيجية ثوريين واضحين منذ منتصف تشرين اول عام 2011 باسم "البرنامج الانتقالي لليسار الثوري في سوريا"، لكننا عمليا لا نستطيع ان نتدخل، رغم حماس رفاقنا الشديد، بشكل اوسع مما تسمح به طاقاتنا الذاتية التي ما تزال متواضعة مقابل ضخامة المهمات التي تطرحها الثورة السورية. فإننا نعمل على بناء وتعزيز الذات في معمعة العملية الثورية الجارية، في الوقت الذي ينخرط فيه مناضلو اليسار الثوري في كل أشكال النضال الجماهيري الممكنة ويرفعون راياتهم في كل ساحات النضال، ويكسبون الى صفوفهم بازدياد افضل الناشطين والمناضلين الحراكيين، لكننا ما زلنا بعيدين عن لعب دور رئيسي وقيادي في الثورة، لان ذلك يتطلب بناء الحزب العمالي الثوري والجماهيري ، وهو ما نعمل من اجله بكل صبر واصرار، ولكننا ما زلنا بعيدين عن تحقيقه في المدى المنظور. ولهذا، فإننا ندعو الى ضرورة بناء جبهة متحدة لقوى اليسار السوري المندرجة في الثورة، لرفع قدرات اليسار السوري في العمل الثوري وبالتالي زيادة تأثيره ونفوذه عموما. ونقوم بدعاية واسعة لتشجيع بناء المجالس المحلية الشعبية من الأسفل، وضرورة بناء قيادة ثورية بديلة تنبع من الحراك الثوري نفسه وتؤطر المقاومة الشعبية المسلحة. ونعمل على بناء شبكة تضامن أممية مع الثورة الشعبية السورية واليسار الثوري فيها.

المناضل-ة: كيف ترى مستقبل الثورة السورية؟

غياث نعيسة: أصبح واضحا أن ما تشهده بلادنا، وما يجري في مصر وتونس دليل على ذلك، ليس ثورات سياسية محضة هدفها فقط تغيير فوقي في رأس النظام، او ثورات على مراحل. ما نشهده هو سيرورات ثورية لن تتوقف عند تغييرات فوقية وجزئية في الانظمة القائمة، و لا سيما ان الدوافع المحركة لها التي اشرنا اليها يتطلب تحقيقها ما هو اعمق من المطالب السياسية تحديدا بل تستدعي تغييرات اجتماعية واقتصادية جذرية، كما سبق ان ذكرته اعلاه. وان هذه السيرورات الثورية قد تمتد سنوات وتتجاوز، وهي فعلا كذلك، الحدود الجغرافية لمنطقتنا، انها ثورات جماهيرية من الاسفل تدفع بلا ادنى ريب الى اعمق التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلادنا، اي انها ثورات دائمة.

ما يجب ان يعمل عليه اليسار الثوري هو الدفع بهذه السيرورات الثورية من خلال تعبئة الجماهير ورفع سوية وعيها الثوري الى مداها الاقصى، اي نحو الثورات الاجتماعية: الاشتراكية.

و ككل السيرورات الثورية فان مألاتها غير محسومة سلفا، انها سيرورات مفتوحة على احتمالات عدة، مرهونة بموازين القوى السياسية والطبقية وبخيارات القوى الفاعلة فيها. ولكنها في الوقت عينه عملية تحرر عظيمة لكل المجتمع المعني، ومهما شهدت من منعطفات وتراجعات، فان الجماهير الواسعة قد نزلت بعنف وتصدرت خشبة مسرح التاريخ في بلداننا ولا عودة عن ذلك.

رغم الصعوبات والمعوقات والتحديات التي سبق لي ذكرها والتي تواجه الثورة الشعبية السورية، ومنها ان حكومات الدول الرجعية والامبريالية التي تدعي صداقتها للشعب السوري لا ترغب بانتصارها، لان الثورة السورية هي الجدار الاخير الذي يعني انتصارها انتشار الثورات كاللهيب في مجمل دول الخليج والسعودية و ما ورائهما، ونلمس مسبقا تأثيرها بالتهاب الحراك الثوري في السعودية والكويت والبحرين، بعد اليمن. وبغض النظر عما تتعرض له الثورة السورية من تقدم او تراجع او انعطاف او التفاف هنا او هناك، لكننا يغمرنا، كالملايين من جماهير شعبنا الثائر، قناعة راسخة بالانتصار على نظام الطغمة البرجوازية الدكتاتورية الحاكم.

 

 


Partager cet article
Repost0