Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
23 décembre 2012 7 23 /12 /décembre /2012 19:58


سوريا: عندما يرفض "مناهضو الإمبريالية" الثورة
هنا مخيم اليرموك مخيم الصمود والشهداء|محمد الشايب|دولتي
الكاتب: جاك بابل
ترجمه‫ الى العربية‫:‬ وليد ضو      
المصدر‫:‬ npa2009

‫منذ عشرين شهرا، والشعب السوري يخوض ثورة هائلة ضد أكثر الأنظمة دموية في العالم. والحركة الشعبية، غير الطائفية والمنظمة ذاتيا والتي تحمل المطالب نفسها التي يرفعها الشعب في تونس ومصر وفي مناطق مختلفة من العالم العربي، هذه الحركة مصرة على نيل حريتها على الرغم من القمع الوحشي. كل ذلك يتطلب تضامنا عالميا في وقت تتراوح مواقف العديد من "مناهضي الإمبريالية" بين داعمٍ لنظام الأسد، أو يكتفي باتخاذ موقف حيادي.‬

‫"كيف لا يمكن دعم الحكومة السورية؟ إنها الحكومة الشرعية! من علينا دعمه؟ الإرهابيون؟" هذا الموقف أعلنه الرئيس المعاد انتخابه في فنزويلا هوغو تشافيز. في أوروبا، أحزاب، والعديد من المثقفين المعروفين بمناهضتهم للإمبريالية ويناضلون من أجل حق الشعوب بتحديد مصيرهم، يهمشون الثورة السورية. حتى أن بعض الأحزاب اليسارية في المغرب والشرق الأوسط، المنخرطة ‬في الحركة العالمية المواجهة للأنظمة القمعية والإمبريالية والنيوليبرالية تجد ضلالها في نظرية المؤامرة.

من دون شك، أن سنوات التعسف الاقتصادي، والمؤسساتي والعسكري من القوى الغربية يساهم في تقديم أي صراع عبر وسائل الإعلام بطريقة تخدم مصالحها. ووسائل الإعلام المهيمنة لا تقف إلى جانب الأسد، كما يطالبه المسؤولون الغربيون بترك السلطة. ولكن على كل مجموعة مناضلة مراقبة وتحليل المعلومات المتوفرة، وتقديم رأي مستقل. بما يتعلق بالوضع السوري الحالي، ثمة العديد من العوامل التي تدفعنا للوقوف دون قيد أو شرط إلى جانب الثوار.

ديكتاتورية قمعية وليبرالية متوحشة
لا يمكن الدفاع عن نظام الأسد لمن يدعم نضالات الشعوب. خاصة عندما يتعلق بنظام عصبوي مهيمن، يقوم على سحق كل تعبير سياسي بدءا بحزب البعث الذي أوصله إلى الحكم، حيث تعرض المعارضون للإعدام أو لعقوبة السجن مدى الحياة، ونفي العديد منهم أو رماهم في السجن لربع قرن حتى موتهم وذلك منذ السبعينات. كل التنظيمات السياسية، من الإخوان المسلمين والليبراليين واليساريين تعامل معهم النظام من دون رحمة وجرى سحق المجتمع المدني والمنظمات النقابية.

حين وصل بشار، ابن الديكتاتور حافظ عام ٢٠٠٠، أشاع جوا لبضعة أشهر بانطلاق عملية إحلال الديمقراطية، ولكن هذا الأمل المزعوم سرعان ما جرى قمعه، على يد العصابة المستشرسة التي استثمرت في سياق اقتصاد ليبرالي متوحش الذي قضى على معظم المكتسبات الاجتماعية ووسع الفروقات الطبقية. ومن أجل الإمساك في زمام الأمور، بنى هذا النظام أكثر من ١٢٠٠٠ مسجدا- وهذا الأمر لا يضعه في الخانة العلمانية الذي يصنفه فيها المدافعون عنه. والبنية الاجتماعية للنظام تبقى زبائنية بشكل أساسي، وجزء من البرجوازية والأجهزة القمعية، تعمم منهجيا الخوف من حلول الفوضى في حال زوال هذه السيطرة.

على الصعيد الخارجي، عمد النظام السوري إلى سحق اليسار اللبناني والفلسطينيين خلال تدخله في لبنان عام ١٩٧٥- ١٩٧٦، وتابع سياسة التعايش التي تدعي المقاومة والمهادنة لإسرائيل، وهذا الأمر يفسر سبب تحفظ المسؤولين الإسرائيليين عن سقوط الأسد. والأخير دعم الأميركيين في الحرب على العراق، وعقد اتفاق مع الإمبريالية الأميركية والفرنسية، يسمح بموجبه السيطرة على النظام في لبنان.

هذا النظام بعريه الكامل حيث الشعب السوري، الذي تشجع بثورات تونس ومصر، وتجذر بفعل القمع الشرس الذي تعرض له منذ ربيع العام ٢٠١١. كل التقارير الإعلامية المعدة ضمن ظروف صعبة- حيث طرد النظام كل إعلامي غير موالٍ- أشارت إلى الواقع، وخيال وبطولة هذه الحركة الشعبية الجماهيرية، العابرة للطبقات والطوائف والهويات الثقافية والقومية، والتي تصر دون كلل أو ملل على النزول إلى الشارع بمواجهة الرصاص بداية، وتحت القصف لاحقا. كما أظهرت مدى الإساءات التي يتعرض لها الرجال والنساء والشيوخ والأطفال بشكل خاص، بالإضافة إلى أعداد المسجونين والقتلى الذين تحصيهم اللجان المحلية المنظمة ذاتيا.

عسكرة اضطرارية
داخليا، لم تنجح أي محاولة للتقسيم، وإرهاب الدولة لم يتمكن من وقف الثورة. واستعمال الجيش الممنهج لربطه بالرعب والتعسف والقمع أدى إلى انشقاق العديد من الجنود، على الرغم من الحملات الانتقامية التي تعرض لها المنشقين وعائلاتهم. ولم ينفع الفصل الذي أقامته فرق الموت في الأحياء والقرى للفصل بين العلويين والسنة والمسيحيين والأكراد من المس بوحدة الثوار السوريين. على العكس من ذلك هذا القمع دفع إلى عسكرة الثورة بعد عدة أشهر من المقاومة السلمية.

في كل بلد عرف مقاومة شعبية مسلحة نمت في ذاكرة الناس كيفية معالجة قضية المنشقين، والسجناء السابقين الذين تخفوا بهدف النفاذ بجلدهم وبالإضافة إلى المتظاهرين الذين تعرضوا للقتل. خلال سنة ونصف، مع سقوط أكثر من ثلاثين ألف قتيل، وأكثر من نصف مليون سجين وعشرات الآلاف اللاجئين، تبدو الملاحظات التي تدافع عن الموقف الحيادي من عسكرة الثورة مشينة. فالبديل، هو الاستسلام- ومن ثم حصول الإبادة الجماعية.

في وقت طالب المتظاهرون السوريون بدعم دولي، من المشين التركيز فقط على الألاعيب الغربية وتسلل الإسلاميين الذين تدعمهم السعودية أو قطر (أو عبارة "الإرهابيين" المشهورة). من دون شك حصول هذه الألاعيب وذلك يمثل خطرا. ولكن تشير جميع الشهادات إلى أن الحضور الإسلامي لا يزال أقلويا، وخاضعا ويتلاعب به النظام السوري. وأول من رفض هذا الأمر هم لجان التنسيق المحلية، التنسيقيات الثورية السورية. ويدركون أن الأمراء السعوديين، الذين يقمعون شعبهم والشعب البحريني، كما يرفضون كل مساعدة مشروطة، ليسوا أصدقاء. والعامل الأساسي الذي يعزز هذه التأثيرات السلبية هو غياب حركة عمالية وديمقراطية عالمية مساعدة للثورة السورية.

كما يمكن دحض وهم الحماية العسكرية الجوية للمناطق المحررة، التي ليست سوى ذريعة نحو حرب إقليمية حقيقية، في الواقع القوى الغربية لا ترغب بذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار توازن القوى بعد التراجع الأميركي في العراق وأفغانستان. يمكن افتراض أن "المجالس الوطنية" المشكلة في الخارج والتي تدعي تمثيل الحراك، وحتى قيادة الجيش السوري الحر هي موضع تساؤل وتعتمد أكثر من اللازم على الدول الأجنبية. لكن الثوار لا يكفوا عن مواجهة هذه "القيادات" من أجل الحصول على ضمان لاستقلالهم والديمقراطية والعلمانية والتضامن مع فلسطين ووقعوا في هذا السياق على العديد من العهود والعرائض.

لذلك، يجب عند مناقشة كل تكتيكات هذه الثورة، يجب دعم شامل وحسي للشعب السوري الثائر. يجب فهم وأنه أبعد من أن تكون أداة للهجوم المضاد للإمبريالية ضد السيرورة الثورية في المنطقة العربية، من الضروري دعم الدينامية العالمية من أجل الحريات والكرامة والعدالة الاجتماعية، ضد كل الدول القمعية. وإذا فشلت الثورة، فإن كل شعوب المنطقة ستخسر، ومن ضمنهم الشعب الفلسطيني.

الجيوستراتيجية أولى من الشعوب؟
كذلك من المؤسف قراءة ما كتبه آلان غريش في لوموند ديبلوماتيك في ٣١ آب المنصرم: "الأزمة السورية هل تقتصر على السلطة الديكتاتورية المواجهة لمجمل الشعب؟ إذا كان الأمر على هذا النحو فإن النظام كان سقط منذ وقت طويل… وإذا كان دعم إيران وروسيا والصين لدمشق قد عزز موقف الرئيس بشار الأسد، فإن رفض الغرب، وفرنسا من ضمنهم، دعوة المعارضة لاحترام وقف إطلاق النار قد صب الزيت على النار". غريش هو واحد من أولئك الذين يطلبون منا "وضع التأثيرات جانبا"، من أجل فهم ما يجري خلف كل ذلك، والأهم بالنسبة له هو الجيوستراتيجيا والمقاومة المشروعة لروسيا وإيران للهجوم الغربي. من هنا نقرأ فكرته المبدعة: "لنتذكر الثمانينات، الانتقال نحو الديمقراطية في أميركا اللاتينية حصل عبر تقديم ضمانات بعدم ملاحقة الجنرالات المتهمين بارتكاب أسوأ الفظائع (ويجب انتظار أكثر من عشرين سنة لمثولهم أمام العدالة، كان الثمن الذي ينبغي دفعه من أجل انتقال سلمي)".

باختصار، يصبح، بحسب وجهة النظر هذه، الثوار السوريون مجرد بيادق، ولا يمكنهم تصور مستقبلا أفضل ومن مصلحتهم وقف حراكهم من أجل مفاوضات افتراضية (كما حصل في اليمن)، وعليهم عدم اعتبار النظام السوري عصابة جاهز للقيام بأي شيء للاحتفاظ بالسلطة، إنما اعتباره سلطة عسكرية مصالحها متنوعة ومطاطة.

بعيدا عن هذه الآراء المغلوطة المتفاوتة في حدتها بين مواقف صلبة لتشافيز وفي أوروبا لميشال كولون ومواقف لينة بحسب النموذج الغريشي (آلان غريش)، يجب التأكيد على أن هناك ضرورة لمناهضة مبدئية لللإمبريالية والتي تؤكد على التضامن غير المشروط مع الشعوب التي تكافح ضد الظلم وتدعم بشكل أكبر حيث النضال صعب، وبشكل مستقل عن كل سلطة.

Partager cet article
Repost0
23 décembre 2012 7 23 /12 /décembre /2012 19:52

سوريا: إلى متى يستمر نظام الأسد؟
في هذا المقال يقدم يوسف خليل تحليلاً لأحدث التطورات في حرب النظام السوري ضد الثورة، ومحاولة لفهم معنى هيئة قيادة المعارضة التي أعلنت حديثاً

لقد خلّفت الحرب في سوريا خسائر كارثية، ولكن بحلول ديسمبر 2012، بدأ يلوح في الأفق ما هو أسوأ وسط مزاعم  بأن نظام بشار الأسد يستعد لاستخدام الأسلحة الكيماوية من أجل تصعيد هجومه الوحشي على المعارضة، كذلك وردت تقارير تفيد بأن السفن الحربية الأمريكية المتمركزة قبالة الساحل السوري المطل على البحر الأبيض المتوسط أصبحت في وضع استعداد لتدخل عسكر محتمل.

ولكن، حتى وإن لم تتحقق تلك المزاعم، فقد هوت سوريا إلى كابوس محقق، حيث يُقدر عدد القتلى، خلال ما يقرب من عامين، سواء ضحايا قمع وعنف النظام، أو ممن سقطوا جرّاء الحرب الأهلية، بحوالي 40 ألف شهيد، وأكثر من مليون شخص بين مصاب ومشرد. وما زال نظام الأسد يحاول سحق انتفاضة الشعب السوري التي بدأت في عام 2011، بالاستخدام المكثف للأسلحة النارية تارة، وشن الغارات الجوية من ارتفاعات عالية لتلقي بالقنابل المحملة بمادة الـ TNT فوق المنازل والمناطق المأهولة بالسكان تارة أخرى. وكما سبق أن فعلت الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن سلاح جو نظام الأسد يستخدم القنابل العنقودية والفسفورية في محاولة منه لإلحاق الهزيمة بالمقاومة.

يتواصل القتال في الضواحي الفقيرة وتجمعات الطبقة العاملة المحيطة بالعاصمة دمشق، وبسبب سيطرة المقاومة على مناطق واسعة منها، تتواصل الهجمات المضادة في شكل قصف مستمر.

وتزداد الظروف المعيشية للسوريين العاديين سوءاً يوماً بعد يوم؛ فهناك نقص حاد في المعروض من كل شيء بدءاً من الطعام ومياه الشرب النظيفة، وحتى الكهرباء. الشكوى الرئيسية هناك الآن هي نقص الخبز، حيث يصطف الناس في الطوابير لساعات أمام المخابز، والتي بالتالي أصبحت هدفاً للقصف الوحشي من قبل النظام. ذلك علاوة على بعض التقارير التي تفيد بأن قوات الأسد قد قامت بحرق حقول القمح أثناء انسحابها من المناطق المحيطة بمدينة حلب، أكبر المدن السورية مساحةً، والتي أصبحت منذ فترة طويلة جبهة للقتال بين قوات الجيش السوري والمعارضة.

هناك مثال يوضح لنا إلى أي مدى دفع نظام الأسد بالمجتمع نحو هاوية الفوضى والعنف، فحتى الجالية الفلسطينية بسوريا، والتي طالما كانت حجة النظام التي يبرر بها إحكام قبضتة على السلطة، لم تسلم من القمع. فالاعتداءات الأخيرة على المخيمات الفلسطينية أضيفت إلى سجل الاعتداءات على الفلسطينيين، تلك التي ارتكبها الجيش الصهيوني، والميليشيلت اللبنانية، والقوات الأردنية، وبالتأكيد تلك التي ارتكبتها القوات السورية إبان حكم حافظ الأسد، والد بشار.

حرب عصابات

لكن الشعب السوري ليس مجرد ضحية لعنف النظام، ومثل نظائرهم من الثوار المنتفضين في كل أقطار الربيع العربي - والفلسطينيون من قبلهم جميعاً وحتى يومنا هذا - أظهر السوريون إصراراً وتصميماً على تأكيد ودعم موقفهم بكل طريقة ممكنة. الإضرابات المدنية والمظاهرات، حتى في دمشق، كانت أفعالاً متكررة ودورية للمقاومة الشعبية. ترافق مع هذه الأشكال الاحتجاجية، ظهور مقاومة مسلحة شملت جميع أنحاء سوريا تعمل بشكل فضفاض تحت مظلة ما يسمى بالجيش السوري الحر ونجحت بالفعل في تحقيق تقدماً كبيراً في الأسابيع الأخيرة.

والحقيقة أن الانتصارات التي يحققها الجيش السوري الحر ليست ناتجة عن تدفقات جديدة لأسلحة أجنبية، كما يدعي نظام الأسد وكما تزعم تقارير وسائل الإعلام الدولية أحياناً، بل أن السبب وراء تحقيق تلك الانتصارات، يرجع لقدرة الجيش السوري الحر، بسبب التأييد الكبير واسع النطاق الذي يتمتع به، على فتح جبهات متعددة في نفس الوقت، وتنسيق العمل بين المحافظات المختلفة، وتبنيه واعتماده لتكتيكات حرب العصابات. وهكذا، بمرور الوقت، أصبح المقاتلون الثوريون مجهزين بشكل أفضل كثيراً من عدوهم ذاته.

على سبيل المثال، تمكن الجيش السوري الحر مؤخراً من السيطرة على فوج 46، بالقرب من حلب، وهي قاعدة عسكرية تابعة للجيش السوري النظامي. وكنتيجة طبيعية، واصل النظام قصفه العشوائي في محاولة منه لاسترداد القاعدة، لكن المعارضة قاومت بكل بسالة. وكانت القوات الموالية للديكتاتورية قد استخدمت أسلحة الفوج 46، من مدفعية وصواريخ ودبابات لإرهاب المدن والقرى المجاورة.

حاصر الجيش السوري الحر فوج 46 لمدة شهرين، ونجح في منع وصول الإمدادات للقاعدة. لجأت الحكومة إلى عمليات الإنزال الجوي من أجل إمداد قواتها بالغذاء، ولكن في نهاية المطاف ثبت أنها غير قادرة على الاحتفاظ بالقاعدة أو حمايتها. وهكذا سيطر الجيش السوري الحر على كمية هائلة من الأسلحة والإمدادات التابعة للقاعدة العسكرية، بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات والتي تُحمل على الأكتاف، والتي يعتقد أنها استخدمت بالفعل لإسقاط طائرات حربية خاصة بالنظام. إن استراتيجية استهداف القواعد العسكرية والمطارات هي رد الفعل الثوري على أحد عوامل تفوق قوات الأسد؛ ألا وهي القدرة على إحداث تدمير واسع النطاق بواسطة القصف الجوي، مع ضمان الإفلات من العقاب.

وتهدف المعارضة بتبنيها تلك الاستراتيجية إلى وقف استخدام هذه القواعد في شن الهجمات الجوية، ومنع وصول الإمدادات والمساعدات العسكرية القادمة من بلدان أخرى، بالإضافة إلى الاستيلاء على الأسلحة المتوسطة وثقيلة الحجم لاستخدامها ضد النظام. وفي عدة حالات، اضطرت قوات الأسد الجوية لقصف كل من مقاتلي الجيش السوري الحر وقوات النظام الموالية له على حد سواء، في محاولة يائسة لمنع الجيش السوري الحر من الاستيلاء على قواعدها العسكرية.

تراجعت هجمات القوات الجوية، كما أحكم المتمردون سيطرتهم على كل القواعد الجوية الواقعة في ضواحي دمشق، ويتقدم الجيش السوري الحر الآن نحو مطار دمشق الدولي، في حين نصح الثوار المدنيون بالابتعاد، وأعلن المطار منطقة عسكرية حيث أنه يتم استخدامه في إعادة تزويد النظام بالسلاح والذخيرة، كما يُستخدم أيضاً كمنطقة تمركز للقوات العسكرية.

تعرضت ضواحي دمشق، حيث يحظى الثوار بدعم كبير، للقصف المتواصل طيلة الأشهر الثلاث الماضية، حيث يحاول النظام تشكيل حدود تحيط بالعاصمة. فدمشق، مقر السلطة، أهم من أن تفقد، لذلك فهي الآن محصنة ومؤمنة بأعداد مكثفة من الأسلحة الثقيلة ونقاط التفتيش تنتشر في كل مكان. أصبح الآن أزيز الطائرات وأصوات الانفجارات مستجدات طبيعية لا تسترعي الانتباه.

لا يسعى الثوار هذا الصيف، لتكرار عملية مثل عملية "بركان دمشق"، تلك المحاولة السابقة المشئومة للسيطرة على العاصمة، والتي انتهت بهجمة مرتدة شرسة من قبل النظام. بدلاً من ذلك، ينخرطون في حرب عصابات بهدف استنزاف وإضعاف معنويات القوات الحكومية.

وعلى الرغم من ضعف النظام، إلا أنه لا يزال يمتلك بعض نقاط القوة الحاسمة التي تمكنه من البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة في مواجهة الثورة الجماهيرية. وعلى رأس هذه العوامل الدعم المباشر الذي يتلقاه نظام بشار الأسد من روسيا والصين وإيران. الأمر الثاني، أن لدى سوريا دائرة داخلية صلبة ترى نفسها تخوض صراعاً وجودياً، وعلى استعداد لاستخدام أقصى درجات الوحشية دون تردد.

لا يمكن قول الشيء نفسه عن القوات المسلحة، حيث ينحدر أفرادها من جميع أنحاء سوريا، وجميعهم لهم أقارب وأصدقاء ينتمون للثورة. ولقد حاول النظام التغلب على هذه المشكلة بثلاثة طرق: أولاً، استخدام سلاح المدفعية الثقيلة والهجمات الجوية من على مسافات بعيدة، بحيث لا يرى مرتكبي تلك الهجمات آثار الدمار الذي يتسسبون فيه. ثانياً، استخدام شبيحة العصابات شبه العسكرية بدلاً من قوات الجيش النظامي العادية. ثالثاً، نشر القوات الأكثر ولاءاً، مثل الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة المدرعة، عندما تكون هناك ضرورة للتدخل العسكري.

قمع ومقاومة

إن فهم ديناميكية عمليتي القمع والمقاومة داخل سوريا، أمراً ضرورياً لفهم وتحليل التطورات الدولية الجارية بشأنها. لقد شكلت قوى المعارضة الثورية مؤخراً، تحالفاً جديداً أُطلق عليه اسم "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية". وأعلن الائتلاف أنه سيكون بمثابة حكومة مؤقتة، كما أنه يعد حكومة انتقالية لتولي السلطة بعد سقوط ديكتاتورية الأسد.

بل أنه يسعى أيضاً للاعتراف الدولي باعتباره الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري، ويطالب بالإفراج عن أصول نظام الأسد المجمدة في الخارج. وقد اعترفت به دول الخليج رسمياً بالفعل، إلى جانب تركيا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا. وقد أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن تحمسها للحكومة المؤقتة ودعمها لها، لكن الأمر لم يصل إلى حد الاعتراف الدبلوماسي الرسمي. قادة الائتلاف الوطني يقولون أنهم يريدون الحفاظ على بنية الدولة والمؤسسات السورية أثناء مرحلة التحول إلى الديمقراطية وتفكيك الأجهزة الأمنية، تلك الأهداف التي ستتوافق تماماً مع تطلعات الدول الغربية التي اعترفت بالحكومة المؤقتة.

وفي الوقت نفسه، حددت الحكومة المؤقتة لنفسها مهاماً فورية عاجلة، وهي تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين السوريين سواء في الداخل أو في الخارج، فضلاً عن تكوين قيادة عسكرية موحدة تعمل وفق التوجيهات السياسية للائتلاف الوطني. فالحكومة المؤقتة تريد أن تمر كافة المساعدات العسكرية من خلال قنواتها، بدلاً من إرسالها مباشرة إلى الجماعات المسلحة.

المحاولة السابقة لإنشاء هيئة تجمع مختلف أطياف المعارضة السورية تحظى باعترافٍ دولي، كانت تحت اسم المجلس الوطني السوري، وكان يهيمن عليها جماعة الإخوان المسلمين. والآن يقر الكثيرون بأنها كانت محاولة فاشلة، لأنهم لم يتمكنوا من التغلب على الانقسامات الداخلية، ولا على العمل بطريقة منفتحة وديمقراطية وشفافة. الأهم من ذلك، أن المجلس الوطني السوري لم يكن ممثلاً حقيقياً للانتفاضة الشعبية وقواها الفعلية على الأرض، وبتوجيه جلَّ اهتمامه نحو التوصل لحل خارجي، فإن المجلس الوطني لم يكن معبراً عن الثورة على النحو السياسي المطلوب. تسبب فشل المجلس الوطني السوري في قيادة الثورة في إحباط مؤيديه الغربيين، الذين ليس لديهم أي رغبة في رؤية نجاح الثورة السورية يتجاوز حدود مصالحهم ونفوذهم. لذلك، حاولت عدة دول تخطي المجلس الوطني السوري، وإعادة استكشاف الموقف من أجل إقامة علاقات مباشرة مع المجموعات المختلفة داخل سوريا.

ولكن، على سبيل المثال، ممالك وإمارات الخليج، على الرغم من تشدقهم بتقديمهم العون ودعمهم للمجلس الوطني السوري، إلا أنهم كانوا يضعفونه بالفعل، بمحاباتهم وتسليحهم لبعض المجموعات المختارة داخل سوريا. ونتيجة لذلك، لعبت بعض الجماعات الجهادية الإسلامية المتطرفة، دوراً ضخماً داخل المقاومة السورية المسلحة، هذا على الرغم من أن تلك الجماعات المتطرفة على خلاف حقيقي مع الشعور العام الذي يسيطر على أغلب الثوار الذين يؤمنون بأحقية السوريين في الحياة في ظل مجتمعٍ ديمقراطي حر، يقوم على أسس الاحترام المتبادل لمختلف الأديان والأعراق.

الائتلاف الوطني وقوى الشر القديمة

وعلى النقيض من المجلس الوطني السوري، فإن الائتلاف الوطني يضم بالفعل ممثلين لمختلف القوى داخل سوريا. فيضم بين أعضاؤه شخصيات تحظى بمصداقية داخل صفوف المقاومة، مثل معاذ أحمد الخطيب، إمام الجامع الأموي السابق، كذلك المنشق البارز ورجل الأعمال رياض سيف، كما يضم أيضاً الناشطة سهير الأتاسي، وجميعهم كانوا معتقلين لبعض الوقت في سجون الأسد. لكن، على الرغم من المشاركة القوية لرموز المعارضة المخضرمين، إلا أن الائتلاف يتم استغلاله من قبل مسئولي نظام الأسد السابقين، وكذلك من القوى الإمبريالية التي تسعى لوضع بصمتها الخاصة على سوريا الجديدة.

على سبيل المثال، المجلس الوطني سيء السمعة، كان قد وعد بأن يحظى بثلث     المقاعد داخل الائتلاف الوطني، هذا رغم أن المجلس الوطني كان يعارض تشكيل الائتلاف من الأساس. ووفقاً لمصادر مُطلعة، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين قوة مهيمنة داخل الائتلاف الجديد، تماماً مثلما كان عليه الأمر داخل المجلس الوطني. لم تقترح جماعة الإخوان الملسمين لقيادة الحكومة الانتقالية سوى رياض فريد حجاب، وهو منشق عن نظام الأسد، حيث كان رئيس وزراء حكومة الأسد حتى شهر أغسطس من هذا العام – أي بقى في منصبه حوالي 18 شهراً منذ اندلاع الثورة.

كل هذه الأمور تثير عدداً كبيراً من الأسئلة: إذا كان المجلس الوطني لا يمثل الثورة بشكل فعلي على الأرض، كيف يختلف الائتلاف الوطني؟! ما هو الصوت الفعّال الذي ستتبناه القوى الثورية والمعارضة داخل الائتلاف؟! أي نوع من المفاوضات ستتم، وما هي الاتفاقات التي ستبرم في سبيل فوز الائتلاف بالاعتراف الدولي؟! ما هي خطط الائتلاف لتحقيق النصر، وإلى أي مدى تتوافق هذه الخطط مع الأهداف الجماهيرية للثورة؟! هل هناك التزام بأسس العدالة الاجتماعية والاقتصادية؟! هل سيرضح الائتلاف ويذعن للولايات المتحدة والأجندة الأوروبية الخاصة بسوريا ما بعد الأسد؟! هذه كلها أسئلة مهمة، لاسيما وقد منح الائتلاف الوطني لنفسه سلطة إنشاء الحكومة المؤقتة، ومن ثم تشكيل الحكومة الانتقالية بعد سقوط النظام.

وحسبما ورد، يأمل الائتلاف في تولي قيادة الجيش السوري الحر، والمقاومة المسلحة، باستخدام العلاقة الوثيقة مع دول الخليج للتمكن من مراقبة وتوجيه الأسلحة والإمدادات. ووفقاً لما نشر في العدد الأخير من دورية "اليساري"، التي يصدرها ائتلاف اليسار السوري، فإن القوى الأجنبية أبدت سعادتها لما طال البنية التحتية السورية من تدمير على يد النظام:
"بعد سقوط نظام الأسد، الدولة الإمبريالية الغربية مستعدة تماماً للانقضاض على فريستها، عن طريق إغراق البلاد بالقروض المشروطة، بحجة إعادة الإعمار، في مقابل فرض السياسات الاقتصادية لليبرالية الجديدة. وهذا يعني، أن تبقى السياسات الاقتصادية السابقة الفاسدة كما هي، إلى جانب اتساع الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء نتيجة لتنامي الفقر والاستغلال. هذا يتطلب وجود حكومة بديلة. ولكن، والفضل للإمبريالية، يتواصل العمل بنفس السياسات".

وفي الواقع، أعلن الائتلاف الوطني أنه يعمل بالفعل على صياغة "رؤية لديناميكية اقتصاد السوق الحر السوري" من أجل وضع خطة لـ "الانتعاش الاقتصادي"، تلك الخطة التي من شأنها أن تضمن المصالح الاقتصادية الغربية والإقليمية على حدٍ سواء.

إن الاعتراف الدولي بالائتلاف الوطني، يأتي في وقت تتوالى فيه انتصارات القوى الثورية في مواجهة ديكتاتورية الأسد. والقوى الدولية والإقليمية ترى بوضوح التحول الذي يحدث لصالح الثورة، وهم يخشون أن تأتي النتائج خارج نطاق نفوذهم – لذلك يبحثون عن فرص للتواصل مع الائتلاف، تماماً مثلما حدث مع المجلس الوطني من قبل، غير أن الائتلاف الوطني يحظى، بشكل أولي، بدعم الشارع السوري. ومن الضروري أن نتذكر، وبالتأكيد فإن المجلس الوطني يتذكر بالفعل، أنه يمكن اكتساب تلك الشرعية الداخلية، ثم فقدانها في حالة فشل القيادة المعلنة في تلبية تطلعات الجماهير الثورية.

ثورة شعبية أم مؤامرة؟

ما يحدث في سوريا هي ثورة شعبية. بعض الأصوات المنتمية لليسار الأمريكي ترفض الاعتراف بهذا، وتدعي أن المقاومة ما هي إلا دمية في يد الإمبريالية الغربية، لكنهم معميون بدعمهم لديكتاتورية السفاح بشار الأسد، وبتحالفاتهم الخاصة مع بعض الحكومات الدولية التي ما زالت تدعم نظام الأسد، مثل إيران. البعض الآخر يعتقد أن الانتفاضة الشعبية لا تقوم على أساس طبقي. وهذا أيضاً أمراً يجانبه الصواب.

إن استغلال وإفقار الطبقات العاملة السورية في واقع الأمر كان مشروع مشترك بين نظام الأسد والبرجوازية السورية، لضمان احتكار الثروات. وسوياً، أشرفوا على تنفيذ السياسات الاقتصادية للليبرالية الجديدة على مدى العقد الماضي، وهو الأمر الذي ترتب عليه استيلاء القطاع الخاص على أجزاء كبيرة من الاقتصاد السوري. كما انفتحت الأسواق السورية أمام الواردات الأجنبية مما أدى إلى تدمير الصناعات الوطنية. كذلك الزراعة، والتي كانت لوقت طويل بمثابة حجر الأساس لمعيشة السوريين، ضربت في مقتل بسبب ارتفاع أسعار الوقود والعلف الحيواني، إلى جانب طرد ملايين الفلاحين من أرضهم ودفعهم نحو الأحياء الفقيرة في المدن.

تمكنت البرجوازية السورية من تنفيذ أجندة الليبرالية الجديدة، من خلال القبضة الحديدية التي كان يتمتع بها نظام الأسد، وبواسطة شبكته الأمنية التي عملت على وأد كل الأشكال التنظيمية للطبقة العاملة والإبقاء عليها ضعيفة، وبالتالي ضمان مناخ "خال من الاحتجاج"، هكذا انفتح الاقتصاد السوري على السوق العالمي. 

ووفقاً لائتلاف "اليسار الثوري" فإن، المطالب الشعبية المتمثلة في توفير فرص العمل، وتحسين الأجور، والحق في التعليم، والرعاية الصحية، والمساعدات الزراعية، إلى جانب الحق في التظاهر وغيرها الكثير، كلها أمورٌ ربما تبدو بسيطة، لكن في الواقع هي أساس اندلاع الثورة، وإنجازها يتطلب تغيير كامل البنية الاجتماعية والاقتصادية لسوريا، وليس مجرد تغيير بعض الشخصيات في أعلى هرم السلطة أو إجراء بعض التغييرات على شكل سلطة الدولة.

هذه المطالب ربما لا تتبناها الطبقة العاملة كجزء من نشاطها الفعلي في الوقت الحاضر. لكن السوريون ليسوا بمواجهة أمراً "طبيعياً". إنهم يواجهون صراع عسكري ضد الديكتاتورية التي سحقت كل الأشكال التنظيمية للطبقة العاملة، ديكتاتورية ارتدت عباءة الخطاب اليساري بغرض حماية أرباحها ومراكمة ثرواتها. إن مهمة الاشتراكيين الحقيقيين الآن هي الوقوف في صف الثورة السورية وهي تنفض عن سوريا هذا الوحل التاريخي، وجنباً إلى جنب مع سائر الثورات العربية تفتح حقبة جديدة من الصراع الاجتماعي.

* المقال منشور باللغة الإنجليزية في جريدة العامل الاشتراكي الإلكترونية الأمريكية

Partager cet article
Repost0
13 décembre 2012 4 13 /12 /décembre /2012 15:20

«الثورة كائن هائل رائع بألف رأس». مقابلة مع ميكائيل لووي


الاحد 9 كانون الأول (ديسمبر) 2012

ميكائيل لووي


ميكائيل لووي عالم اجتماع ومناضل ماركسي متحدر من البرازيل، ألف كتبا عديدة حول ماركس، وتشي غيفارا، والرومانسية، والاشتراكية البيئية، والمسألة الوطنية و الدين أيضا (*).

لما سألنا ميكائيل لوي حول حدود الفكر الماركسي الرئيسة، وحول واقع أن عددا كبيرا من القطاعات الأكاديمية تعتبر الماركسية ضد التقدم، أكد أن الماركسية هي في المقام الأول فكر متحرك يسعى لتجاوز الحدود القائمة في أعمال ماركس وانجلز ذاتها.

أجرت هذه المقابلة غرازيلا وولفارت Graziela Wolfart ، ومارسيا جونجس Márcia Junges وثاميريس ماغالياس Thamiris Magalhães للنشر بالمجلة البرازيلية «IHU On line » ، وأعيد نشرها في الجريدة الأرجنتينية « El Correo » (موقع (Avanti4.be) )



 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ما هي مميزات الثورة في مؤلفات ماركس الشاب؟ وحول أية أوجه تغيرت نظريته في كتابته اللاحقة؟

 

 

في «أطروحات حول فيورباخ» (1854) – التي تمثل حسب انجلز التشكل العبقري لتصور جديد حول العالم–وفي كتاب «الايديولوجيا الألمانية» (1846)، صاغ ماركس نظرية جديدة يمكن تعريفها بما هي «نظرية الممارسة»، على حد تعبير غرامشي. متجاوزا على نحو جدلي مثالية الهيغلية الجديدة –التي ترى أن التغيرات في المجتمع تبدأ بالتغيرات في الوعي- والمادية المبتذلة –التي ترى أنه من اللازم أولا تغير «الظروف» المادية، أكد ماركس في الأطروحة الثالثة حول فيورباخ أنه في الممارسة الثورية يتطابق تغيير الظروف مع التغير الذاتي لوعي الأفراد.

وكما أوضح بـُعيد ذلك في كتاب «الايديولوجيا الألمانية»: لا ينبثق وعي شيوعي جماهيري إلا من الفعل والتجربة والنضال الثوري للجماهير ذاتها، والثورة ليست ضرورية لإطاحة الطبقات الحاكمة وحسب، ولكن أيضا كي تتحرر الطبقات المتمردة من الايدولوجيا السائدة.

وبعبارات أخرى، التحرر الحقيقي الوحيد هو التحرر الذاتي الثوري. ستشكل هذه الأطروحة خيطا أحمر يخترق أعماله برمتها، حتى لما ستصبح صيغها سياسية بشكل أكثر مباشرة وأقل فلسفية، على سبيل المثال في الديباجة المشهورة لأنظمة الأممية الأولى: «تحرر العمال سيكون من صنع العمال أنفسهم». ولكن الأمر صحيح أيضا بالنسبة لكتاب «البيان الشيوعي» أو كتاباته حول كومونة باريس، الخ.

 

 كيف يمكن إدراك مفهوم «ديكتاتورية البروليتاريا» بوجه الديمقراطية المنبثقة من نظرية الثورة الشيوعية؟

 

كان تعبير «ديكتاتورية البروليتاريا» غير موفق إلى حد ما. لكن كما فسره الماركسي الأمريكي هال درابر Hal Draper بشكل واضح، كان ما قصد ماركس وانجلز توصيفه هو سلطة العمال الديمقراطية، مثل كومونة باريس، التي شهدت انتخابات ديمقراطية وتعدد الأحزاب وحرية الرأي، الخ. و ثمة في القرن العشرين من استعمل هذا التعبير ليبرر، باسم الشيوعية، سياسات مستبدة غير مطابقة لفكر ماركس.

 

ما الذي تغير في اليسار منذ الطبعة الأولى من كتابك «الثورة الشيوعية في أعمال ماركس الشاب؟»

 

كان عنوان الطبعة الأولى (لا عنوان أطروحة الدكتوراه): «نظرية الثورة لدى ماركس الشاب»، الصادرة عن دار النشر ماسبيرو في العام 1971. و مضى وقت طويل مذاك ، و دخلت الرؤية الستالينية لليسار التي هيمنت فترة مديدة من القرن العشرين، في أزمة، وانهارت عمليا في العالم برمته. ما يؤكد صحة أطروحة ماركس التي مفادها أن الثورة الحقيقية الوحيدة هي الثورة التي تتيح تحررا فعليا للمضطهَدين بفعل منهم أنفسهم.

 

تعتبرون أن اليسار، بمختلف تجاربه (الاتحاد السوفياتي، أوروبا الشرقية، أمريكا اللاتينية، أوروبا، البرازيل...) قد فهم ماركس بشكل خاطئ. لماذا؟

 

أثناء سنوات الاتحاد السوفياتي الأولى، كان هناك دون شك فهم خاطئ للماركسية، وقراءة متسلطة لبعض النصوص. لكن بدءا من الستالينية، و من منتصف سنوات 1920، لم يعد الأمر مجرد فهم خاطئ بل بإيديولوجية دولة، تزعم أنها ماركسية -لينينية، هدفها تبرير السلطة الشمولية للبيروقراطية وسياساتها الانتهازية.

مع الأسف، اقتدت الأحزاب الشيوعية بأوروبا، وأمريكا اللاتينية والبرازيل طيلة سنوات عديدة بهذا التوجه الستاليني. ولكن بدءا من العام 1968، وبوجه خاص العام 1968 (اجتياح تشيكوسلوفاكيا من قبل الاتحاد السوفياتي)، بدأ شيوعيون كُثر يضعون تلك الايدولوجيا موضع سؤال. وبأمريكا اللاتينية، كانت الثورة الكوبية هي التي أثارت أزمة عميقة في الحركة الشيوعية.

 

هل ما تزال نظرية تروتسكي حول الثورة الدائمة مفهوما ملائما للتفكير في اليسار اليوم؟

 

نظرية تروتسكي حول الثورة الدائمة ، و التي صاغها في سياق أمريكا اللاتينية خوسيه كارلوس مارياتيغي José Carlos Mariátegui عام 1928 ، هي الوحيدة التي تأخذ بعين الاعتبار دينامية ثورات القرن العشرين، الثورة الروسية عام 1917، والثورات الصينية، واليوغسلافية والفيتنامية والكوبية. ففي كل هذه البلدان، تحولت ثورة ديمقراطية زراعية و/أو معادية للاستعمار في إطار سيرورة غير متقطعة –دائمة- إلى ثورة اشتراكية. ومع الأسف، فشلت كل هذه السيرورات نتيجة انحطاط بيروقراطي،مع استثناء جزئي في كوبا.

ليس الأمر محتما، بل نتاج ظروف تاريخية. والمسألة التي لا تزال راهنية اليوم هي الرؤية الإستراتجية لمفهوم الثورة الدائمة: إما أن تكون ثورات بلدان أطراف النظام ثورات اشتراكية وديمقراطية وزراعية ومعادية للامبريالية في آن واحد، أو تكون «صور مشوهة لثورة» على حد تعبير تشي غيفارا. بعد قول هذا، لا يمكن اعتبار نظرية تروتسكي نظرية جامدة معصومة، فقد كان تتوقع دورا قائدا للطبقة العاملة في تلك الثورات، كما حدث في حالة روسيا عام 1917.

 

كيف يمكن التوفيق بين العمل النضالي الاشتراكي و السوريالية؟ كيف يتلاقى هاذان التياران و كيف يتكاملان بنظر التروتسكية؟

 

السوريالية حركة رومانسية ثورية، حركة افتتان بالعالم مع نزعة تمرد جلية، ومن ثمة متناغمة مع العمل النضالي الاشتراكي. شعراء سورياليون كُـثر، مثل بنيامين بيريه Benjamin Péret ، الذي عاش سنوات عديدة بالبرازيل، و ناضل في سنوات 1936-1937 في صفوف المناهضين للفاشية أثناء الحرب الأهلية الإسبانية – ما انفكوا يناضلون.

في العام 1938، سافر مؤسس السوريالية، أندريه بروتون، إلى المكسيك للقاء ليون تروتسكي الذي كان منفيا في كيوأكان. كتب الإثنان وثيقة بعنوان "من أجل فن ثوري مستقل"، من أجل فن متحرر من كل رقابة حزب او دولة على النشاط الشعري الفني المستقل. و بُعيد ذلك تأسست الفيدرالية الدولية للفن الثوري المستقل – FIARI - التي شارك فيها سورياليون و تروتسكيون و آخرون.

لكن السوريالية لم ترتبط بالتروتسكية وحدها، بل كانت لها صلات باللاسلطوية anarchisme ، لا سيما في سنوات 1950 و مست كوبا الثورية في سنوات 1960. و يتجه تعاطفها نحو كل حركة ثورية حقيقية/

 

ما تحديات تحرر البروليتاريا الذاتي في مجتمع "مسحور" بالاستهلاك و بعمل يغذي هذه الآلية الرأسمالية؟

 

يمارس الافتتان بالاستهلاك و صنمية السلعة تأثيرا كبيرا على السكان. لكن في لحظات حاسمة يكف الافتتان و يبطل سحر الرأسمالية الأسود عندما يرد البروليتاريون و الشباب والمضطهدون على النظام . و تاريخ أمريكا اللاتينية في العقود الأخير مثال جيد عن ذلك.

 

الفيلسوف " رأس" الثورة و البروليتاريا "قلبها". إلي أي مدى لا تزال فكرة ماركس هذه تلهم اليسار في عصرنا ؟

 

هذه الفكرة من النوع الهيغلي الجديد، دافع عنها ماركس في بدايات العام 1844. لكن ُبعيدها بقليل، بتأثير من انتفاضة العمال النساجين في سيليزيا بألمانيا في يونيو 1844، اكتشف أن البروليتاريا " فيلسوف" أيضا و أن انتفاضها ها بغير حاجة إلى انتظار الهيغيليين الجدد. لا زلنا نجد اليوم لدى اليسار هذه الرؤية المثالية الهيغيلية الجديدة ، التي تجعل من المثقف ، أو الطليعة، أو الحزب، " رأس" الثورة. و الحال أن الثورة كائن هائل له ألف رأس.

 

مادا تعني حركة الساخطين و الربيع العربي؟ هل الأمر نفـَسُ سياسة جديدة؟

 

كان الربيع العربي انتفاضة رائعة للشباب العرب ضد أنظمة مستبدة دموية أكل الدهر عليها وشرب. مع الأسف سرقت انتصارات الثوريين من قبل القوى الاسلاموية المحافظة، و نأمل أن يكون هذا مؤقتا.

أما حركة الساخطين، فهي سياق آخر، سياق أزمة الرأسمالية بأوربا و الولايات المتحدة الأمريكية مع عواقب مأساوية على السكان، منها البطالة و انخفاض الاجور و المعاشات، وفقد السكن،الخ. تقدم شباب هذه الحركة بجملة مطالب مناوئة لليبرالية، و ديمقراطية و و من اجل المساواة ، و معادية للرأسمالية في الغالب. القاسم المشترك هو السخط، وهو شعور اساسي كنقطة انطلاق لا غنى لكل نضال عنها، وكذا لكل تغيير اجتماعي. بلا سخط، لا يمكن تحقيق أي شيء كبير و لا جذري.

 

ما هي الحدود الرئيسة للفكر الماركسي؟ لماذا تعتبرها قطاعات أكاديمية عديدة متعارضة مع التقدم؟

 

الماركسية فكر متحرك يسعى إلى تجاوز حدوده القائمة في عمل ماركس و إنجلز ذاته: مثل ذلك، التناول الناقص للمسألة البيئية. بعض القطاعات الأكاديمية تخلط الماركسية مع كاريكاتورها المتعارض مع التقدم، أي الأيديولوجيا المسماة "الاشتراكية القائمة فعلا". و بعض آخر يتماهى مع الأيديولوجيا السائدة، مدعيا أن التطور الرأسمالي يمثل " التقدم" و أن الماركسية "قديمة" لأنها تعارض تقدم توسع السوق و تراكم الرأسمال.

أظن أن جان بول سارتر كان محقا حين قال إن الماركسية هي الأفق الفكري لعصرنا، و إن محاولات " تجاوزها" ، من قبيل ما بعد الحداثة و ما بعد الماركسية، الخ تنتهي إلى تراجعات سياسية و ثقافية. وكما كانت روزا لوكسمبورغ و لوكاتش و غرامشي يقولون، عندما تلغي الإنسانية الرأسمالية يمكن استبدال الماركسية بأشكال فكر جديدة

 

 

تعريب المناضل-ة

 

 

 


Partager cet article
Repost0
11 décembre 2012 2 11 /12 /décembre /2012 12:20

ألف باء الثورة الشعبية السورية: عن الاسلحة الكيماوية والتدخل الامبريالي

 

لا يصغي اليسار المرتبك، ومنذ قرابة عامين من عمر الثورة السورية، الا الى وقع صدى خطى زحف الجيوش الامبريالية الغربية. 

 بقلم: غياث نعيسة

 

 

 أعلن الحلف الأطلسي يوم 4 ك1/ديسمبر عن موافقته على طلب الحكومة التركية بنشر صواريخ باتريوت على الجانب التركي من الحدود التركية - السورية. أعقب ذلك تصريح رسمي بتعهد الحكومة الهولندية إرسال بطاريتين من هذه الصواريخ، وتبعها في موقفها كلا من الحكومتين الالمانية والاميركية، ليكون مجموع البطاريات ستة، مهمتها تغطية حدود تتجاوز بطولها 800 كم وبعمق من الجهة التركية نحو 60 كم. لكن تصريحات بعض الخبراء العسكريين تقدر بان عدد البطاريات المطلوبة من صواريخ باتريوت لتغطية هذه المساحة هو 15 بطارية، لذلك يبدو هذا الاعلان بنشرها اقرب الى كونه اجراء ردعي واعلامي من كونه اجراء هجومي فعلا. وفي الوقت نفسه، نشرت وسائل الاعلام، وخاصة الروسية منها، اخبارا تؤكد استلام النظام السوري لصواريخ اسكندر الروسية وهي صواريخ شبيهة بالباتريوت الاميركية وتتميز عنها بقدراتها الهجومية، كما نشرت انباء عن وصول ثلاثة بوارج روسية الى ميناء طرطوس غداة اعلان الحلف الاطلسي عن موافقته على نشر صواريخ باتريوت في الجانب التركي من الحدود. تربك هذه المناورات للقوى العظمى الامبريالية (الاميركية والروسية...) بسهولة غريبة قسما من اليسار، وحتى بعض اليسار الجذري، الذي ما يزال يعبر، ومنذ نحو عامين من الثورة السورية، عن هاجس تخوفه من حصول تدخل امبريالي (غربي طبعا) في سوريا: مرة بحجة ان جزءا من المعارضة السورية المستقرة في تركيا، والمعني هو المجلس الوطني السوري، كان يطالب بمنطقة حظر الطيران، ومن ثم طالب بمناطق أمنة، ومؤخرا بحجة تخوفه من "توسع عدد الجهاديين"، والآن يجد هذا اليسار حجته في نشر صواريخ باتريوت وتحذيرات الادارة الاميركية للنظام من استخدام الاسلحة الكيماوية ضد السكان، التي جاءت في تصريحات هيلاري كلينتون في 5 ك1/ديسمبر وتصريح اوباما في نفس الخصوص بعدها بيومين. لا يصغي هذا اليسار المرتبك، ومنذ قرابة عامين من عمر الثورة السورية، الا الى وقع صدى خطى زحف الجيوش الامبريالية الغربية. والحال، فان النظام الدموي الحاكم في دمشق هو من أوائل من تحدث عن الاسلحة الكيماوية لديه، في تصريح للناطق باسم الخارجية السورية بتاريخ 24 تموز/يوليو 2012 الذي هدد باستخدام النظام لها في مواجهة أي "تدخل عسكري أجنبي". في حين أنه لم تقدم هذه القوى الغربية أي دعم عسكري للمقاومة الشعبية المسلحة بالرغم من تصريحاتها القاسية تجاه نظام الاسد. ولم يتوقف النظام الحاكم عن مجزرته بحق الشعب الثائر مستخدما الاسلحة الروسية والايرانية (من براميل ت ن ت والمدفعية الثقيلة والصواريخ والطيران الحربي بكل انواعه والقنابل الفوسفورية والعنقودية والدبابات)، مسببا قتل اكثر من 50 الف من السوريين وعشرات الالاف من الجرحى وعدد هائل من الاحياء والبلدات والقرى قد تم تدميرها ومسحها تماما، ونحو ثلاثة ملايين نازح ولاجئ. ولكن لم تنسى الحكومة السورية من التصريح بانها تؤمن تماما هذه الأسلحة "ان وجدت" برسالة مطمئنة موجهة الى كل من الولايات المتحدة واسرائيل. لقد استوعب الشعب السوري ومنذ اشهر طويلة درسا أساسيا هو انه لا يمكنه الاعتماد فعلا سوى على قواه الذاتية في كفاحه من اجل اسقاط النظام المتوحش، كما ان الوعي الشعبي هزأ بدوره من هذه التحذيرات الغربية للنظام بعدم استخدام الاسلحة الكيماوية، وفسرها انها تعني "ان هذه القوى الغربية تسمح للأسد باستخدام كل انواع الاسلحة ضد شعبه باستثناء السلاح الكيماوي"، وحقيقة انه لا توجد اية قوة كبرى او فوة اقليمية (تركيا وايران والسعودية وقطر) ترغب حقا بانتصار الثورة الشعبية. لأن هكذا انتصار سيكون له قوة المثال والقدوة لكل شعوب المنطقة، ولا سيما في الممالك النفطية. بعيدا عن هذا الصخب الاعلامي، تتابع الولايات المتحدة وروسيا مفاوضاتهما منذ توقيعهما على تفاهم جنيف في 30 حزيران/يونيه من هذا العام يتضمن بنود خطة توفر "انتقال منظم " في سوريا، مع محاولة كل طرف منهما توفير افضل الشروط الملائمة لمصالحه الخاصة والعمل على تجنب اندلاع حريق يشمل المنطقة. في هذا السياق يمكن فهم اعلان الادارة الاميركية عن وضع "جبهة النصرة"، وهي مجموعة صغيرة من الجهاديين، على قائمة المنظمات الارهابية. من جهة، تقف روسيا مع طغمة أل الاسد وتعارض اي تدخل عسكري غربي او تركي، وهنا نشير الى اعتدال رد الفعل التركي- مقارنة بالتصريحات النارية لحكامها- على عمليات القصف المتفرقة التي تصيب اراضيها من الجهة السورية. ومن جهة اخرى، لا توجد قرائن على مصلحة للأميركيين بالتدخل في الشروط الراهنة، فالكلفة والعواقب ستكون باهظة جدا لهم، ومضرة لمصالحهم، وخصوصا أن النظام السوري يقوم بما هم يرغبون بالقيام به، ما يعني تدمير البنى التحتية للبلاد واضعاف طاقاتها العسكرية. وكائنا ما كانت طبيعة النظام القادم بعد سقوط الاسد، فان المهمة الملقاة على عاتقه ستكون هائلة، وهي اعادة تعمير بلاد دمرت بوحشية دون تدخل عسكري خارجي بل على ايدي دكتاتورية بربرية. واستكمالا لمفاوضات القوى الكبرى حول سوريا، التقى وزير الخارجية الروسي لافروف بنظيرته الاميركية هيلاري كلينتون بمشاركة الاخضر ابراهيمي مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية لسوريا في دبلن في السادس من هذا الشهر من اجل البحث عن "مخرج سياسي" لـ"الأزمة السورية"، وتابعت هذه الاطراف مفاوضاتها في جنيف في التاسع من الشهر الحالي. ما رشح اعلاميا عن لقاءاتها يشير الى اقترابها من التوصل الى تفاهم يستند على اعلان جنيف السابق الذكر. الثورة في سوريا هي ثورة شعبية، فالقوى الاجتماعية المحركة لها هي شرائح العمال (خمسة مليون) والمأجورون والمستغلون وفقراء الفلاحين. وهذا الأمر يتضح من رصد المناطق الثورية، فهي الاحياء والمدن العمالية والشعبية التي ثارت أولا وتابعت ثورتها حتى اليوم. وهي نفس المناطق التي تعرضت الى اقسى انواع الدمار والهمجية من قبل جيش النظام الدكتاتوري وقواته الامنية وميليشياته. وتتميز الثورة الشعبية السورية عن شقيقاتها من الثورات العربية الاخرى بميزتين اساسيتين، هما: ان الطبقات المستغلة والثائرة السورية شكلت هيئات تنظيمها الذاتي المتمثل بالتنسيقيات، وشكلت ايضا أنوية هيئات الادارة الذاتية من خلال بناء المجالس المحلية من الأسفل. لم تكن المقاومة الشعبية المسلحة سوى النتيجة الطبيعية للبشاعة المنقطعة النظير التي مارسها النظام ضد الجماهير التي تظاهرت سلميا، وهي مقاومة شعبية لأنها تمثل قطاع من الجماهير الشعبية، بتفاوت وعيها السياسي، حملت السلاح. بينما تبقى المجموعات الجهادية هامشية (نحو ثلاثة مجموعات تضم حوالي 4 الاف مقاتل) وتتلقى دعما من السعودية وقطر. في حين تضم المقاومة الشعبية المسلحة (الجيش السوري الحر...) نحو 70 الف مقاتل. ولم تقم هذه المقاومة المسلحة على حساب الحراك الشعبي السلمي، فما تزال تهدر في شوارع المدن السورية كل يوم وايام الجمع مئات المظاهرات، وجرى اضراب عام للمرة الثالثة في اليومين الاولين من شهر ك1/ديسمبر الجاري. ما يجري في سوريا هو ثورة شعبية، ومخطئ تما ما من يتحدث عن "حرب أهلية"، بالمعنى الذي يحيل الى ما حصل في لبنان او العراق وامثالهما، أو بلقنة للوضع فيها. وعلى الرغم من استهداف مقصود من قوى الأمن الحكومية لمناضلي اليسار والمناضلين الديمقراطيين الثوريين عبر قتلهم او القائهم في السجون او اجبارهم على الرحيل الى المنافي، لكن هذه القوى الديمقراطية واليسارية ما تزال حاضرة وناشطة في الثورة، والظهور الملحوظ للإسلاميين يبقى محدودا رغم المبالغة الاعلامية له. فلا توجد قوة سياسية واحدة بإمكانها ادعاء قيادة الثورة ولا اي واحدة منها تملك دورا مهيمنا فيها. ان ما يقوم فيه بعض اليسار العربي والعالمي من العويل خوفا من وهم مزري يعتقد بخرافة خطف للثورة الشعبية تم على ايدي اطراف الثورة المضادة، او الزعيق والتلويح بوشوك حصول تدخل عسكري امبريالي، ما يزال افتراضيا، انما هدفه ان يبرر بهما هذا اليسار التائه تقاعسه او دعمه لدكتاتورية بورجوازية دموية، وهو بفعله هذا انما يضيف الى عماه السياسي وضاعة اخلاقية. من واجب اليسار الجذري العالمي، وان تأخر نوعا ما في ذلك، القيام بالدعم العملي لهذه السيرورة الثورية الشعبية الأصيلة.

غياث نعيسة

Partager cet article
Repost0
6 décembre 2012 4 06 /12 /décembre /2012 15:12
 كمال شيخو- دمشق
اعتاد أهل دمشق الوقوف في طوابير أمام شبابيك الأفران لشراء ربطة خبز. ومع دخول الأزمة في سويا منتصف شهرها  الحادي والعشرين؛ ونتيجةً لنقص مادة المازوت والطحين؛ أصبح تحصيل رغيف الخبز الهاجس اليومي لسكان دمشق الذين يضطرون الوقوف لساعات طويلة لشراء ربطة خبز لسد جوعهم.
أم محمد(55 سنة- أرملة وأم لأربعة أطفال تعمل في تنظيف المنازل) كانت واقفة في طابور النساء اللواتي وقفن أمام شباك بيع الخبز في فرن ابن العميد الاحتياطي الكائن بحي ركن الدين بدمشق. يبدوا ان دورها اقترب من الحصول على ربطة خبز للإسراع الى منزلها لإطعام أطفالها الجياع. وأخيرا طلب الموزع المال منها والذي حدد لها ربطتان خبز فقط. قالت بصوت حزين" أوقات بنطر دوري اربع ساعات لاشتري ربطة خبز لولادي بسعر 15 ليرة. لأنو ما فيني ادفع أكثر من هيك! ما معي مصاري زيادة, ولادي بحاجة لكل قرش وأنا بعد مابروح من هون بحاول اشتعل أي شي كرمال ما يموتو من الجوع"
ام محمد التي كانت تلبس ثوبا وايشارب اسود للدلالة على وفاة زوجها في المعارك بين قوات الجيش الموالية للنظام, وميليشات المعارضة المسلحة. تشرح انه لم يكن هناك أزمة خبز في دمشق الا بعد اندلاع الثورة فيها. اذ ان موقف النساء ( دور النساء) لم يكن يقف عليه احد, وكانت تأتي الى الفرن تشتري الخبز وتمشي فوراً. ولكن الآن كل شيء تغير وتقول" ما كنا نوقف بالدور قبل, هلاء النسوان اكثر من الزلم( يعني الرجال)"
فرن ابن العميد في حي ركن الدين, من اكبر الافران التابعة لمؤسسة الافران الاحتياطية بدمشق. يصل طابور الواقفين في بعض الأحيان لأكثر من 300 شخص. كما يوجد البعض ممن يقفون في الليل ليصلهم الدور في الصباح الباكر.
وقبل ان تمشي ام محمد الى منزلها قالت والدمع ملئت عينيها" أمبارح ولادي ناموا بدون أكل, ما كان في خبز ولا أي شي يأكلوه بالبيت, شو ساوي بحالي, الله ينتقم من الي كان السبب"
الحكومة السورية كانت تصريحاتها متناقضة؛ ففي اجابته امام مجلس الشعب في اخر جلساته, قال نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية, وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك قدري جميل وفي إجاباته على أسئلة الأعضاء في" يوجد فساد في بعض المؤسسات بخصوص المحروقات، الأمر الذي أدى إلى زيادة الخلل بين العرض والطلب. وان أزمة المازوت إلى انفراج تدريجي في حدود منتصف الشهر الحالي، وإلى زوال بعد شهرين أو ثلاثة أشهر على أبعد تقدير".
مشهد اصطفاف الطوابير بالمئات أمام الأفران التي ما تزال تعمل في المناطق الهادئة في دمشق لعدة ساعات للحصول على الخبز، هو مشهد يومي. اذ تصل سعر ربطة الخبز نتيجة الطلب عليه الى 75 ليرة( دولار اميركي) وفي بعض الأحيان الى 150 ليرة ( دولارين). مما يدبر الأهالي الوقوف في هذه الطوابير لشرائه. ولكن هناك ممن لايقفون في هذا الصف؟!!
صالح( 35 سنة- لديه بسطة يبيع ألبسة ولادية في الشيخ سعد) لم يخفي مخاوفه للتعرض لازمة خبز قريبة. "فالجوع كافر" عند بدء حديثه وهو يقف على بسطته القريبة من فرن المزة بالشيخ سعد. شعره طويل بعض الشيء ولبس معطفاً شتويا لشدة البرد. قال" ابسط هون من الساعة 9 الصبح للساعة 10 بالليل. الفرن يبقى معبأ بالناس الواقفين ليشتروا ربطة خبز. بس الي بيقهر انو الشبيحة وعناصر الأمن بيجوا ما يستنوا عالدور وفورا الموزع بيعطيهم طلبهم"
صالح رجل في منتصف عقده الرابع, اب لثلاثة بنات. كان يتحدث وهو يتألم لما هو عليه الحال. فرجال الامن والشبيحة لا يلتزمون بالدور الواقف امام الفرن. وأضاف " هذول الناس( يقصد بهم رجال الامن وعناصر الشبيحة) قدام عيني يشيلوا 10 ربطات خبز, والناس تتفرج, لا وال أنكى( الأشد) من هيك انو النسوان والولاد بيكونوا واقفين ليشتروا ربطة خبز وحدي بس"
مدير عام شركة المخابز الآلية المهندس عثمان حامد وفي تصريح صحفي له يوم امس لموقع الاقتصادي الموالي للحكومة قال" الطلب زاد على الخبز بنسبة تراوحت بين 20 و30%. وإن معظم المخابز تعمل بطاقتها القصوى وعلى مدار 24 ساعة، ولا يوجد أي نقص في مادة الخبز، إذ إن المواد الأولية من الدقيق والمازوت والعمال متوفرة".
كلام المسؤول السوري يتناقض والواقع الذي تعايشه دمشق وباقي مناطق سوريا. فأزمة الخبز شملت كامل سوريا لنقص مادة المازوت لتشغيل المخابز, ونقص كبير في مادة الطحين التي هي موجودة في المناطق الشرقية من سوريا( الحسكة- دير الزور- الرقة) وأصبح نقلها لدمشق وباقي المحافظات أمرا محالاً لسيطرة قوات المعارضة المسلحة على اغلب الطرق الدولية المؤدية من والى المراكز الرئيسية في سوريا.

هذه الأزمة أنشئت مهنة جديدة تعتاش على بيع الخبز يطلق عليهم "الشئيعة" او باعة الخبز. هم أطفال تراوحت أعمارهم بين 10 الى 17 سنة. يقفون بالانتظار لساعات طويلة أمام الأفران ليحصلوا على الخبز بثمن 15 ليرة، ليبيعونها على بعد أمتار من الفرن بأسعار تتراوح بين 75 إلى 150 ليرة، حسب حاجة المشتري واستعجاله.
يامن(12 سنة- ترك الدراسة حديثا وهو في المرحلة الإعدادية) طفل كان يقف امام 10 ربطات خبز يبيعها امام فرن التجارة من ارقى احياء دمشق. الربطة سعرها 75 ليرة, واثنتان بي 150 ليرة. لا يقبل إنقاص سعرها باي شكل من الإشكال. قال" الي بدوا يشتري باقل من هيك يتفضل يصف عالدور كم ساعة هون. انا موقف من امبارح البايع عطاني اول شيء بس 3 ربطات, بعدين رديت وقفت عطاني 4 ربطات وبعد ما ترجيته انو انا بس بشتغل لاطعمي اهلي عطاني كمان 3 ربطات ليصيروا 10."
يامن كان يلبس قميصاً رقيقا والسماء تمطر, يلبس شحاطة قديمة وبنطال جينس شق الطرف الايسر منه من تحت الكعبة لعند قدميه من تحت. مات والده وتعرضت امه لاصابة جراء القصف عندما تعرض منزلهم الكائن في دوما لقصف طيران الميغ. وعندما كان يرفض بيع الربطة بأقل من ثمنها كان يقول" أبيع هيك بس لانوا أهلي محتاجين وما في حدا بالبيت بيشتغل"
حال دمشق ليست بأفضل حالاً من باقي مناطق سوريا, ففي حلب يقول ناشطين ان سعر ربطة الخبز تصل الى 200 ليرة( دولارين ونصف) وفي بعض الأحيان لأكثر من ذلك. ويوما بعد يوماً يخشى السورين من أزمة في الخبز وتعرضهم للجوع. فمع استمرار الثورة والنقص الحاد في المواد الأساسية لصناعته بات شبح الجوع يهدد الأطفال قبل النساء.
Partager cet article
Repost0
5 décembre 2012 3 05 /12 /décembre /2012 23:23

  هذه الدراسة وان نشرتلآول مرة في اب ٢٠٠٨ فهي تحلل الجذور الطبقية للسيرورة الثورية الجارية منذ نحو عامين في سوريا

 

=============================================================================================

 


" لا يمكن فهم المستوى السياسي إلا باعتباره مجال التنظيم الاجتماعي "
ج.م فنسان ( الدولة المعاصرة والماركسية)


لم تعر الحكومة السورية في نهاية العام الفائت أدنى اهتمام بالاحتجاجات والمطالبات التي صدرت عن هيئات وشخصيات عديدة ، ومنها المقربة لها ، تطالبها بأن لا ترفع الدعم عن العديد من المواد الغذائية وأيضا عن المواد النفطية . بل قامت وبتعنت واضح برفع أسعار هذه المواد بشكل مذهل في بداية العام الجاري. وهذا ما كان متوقعاَ ، فالحكومة السورية ، بخلاف ما يعتقد البعض ، هي من بين افضل تلامذة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في منطقتنا ، وسياساتها في لبرلة متسارعة للاقتصاد السوري أثارت إعجاب هذه المؤسسات الرأسمالية الكبرى . لدرجة أن دبلوماسي بريطاني كبير أعرب عن إعجابه "بالإصلاحات الاقتصادية الجارية في سورية التي لا تلغي حقيقة وجود خلافات سياسية".
في الواقع ، إن التحولات الاقتصادية – الاجتماعية التي تشهدها سورية في السنوات الثمانية الماضية هي من الأهمية لدرجة كبيرة ، لأنها تمثل أنموذجاَ لصيرورة انتقال إلى "اقتصاد السوق" توشك أن تنجز َ . وهذه العملية تمت بسرعة ملحوظة فاقت ما حصل في بلدان أخرى مجاورة مثل مصر أو غيرها.
حقاَ ، لقد جرى ، خلال السنوات الماضية ، نقل سورية من مرحلة "رأسمالية الدولة " إلى مرحلة دولة رأسمالية"متخلفة" تقليدية ، ولكن وفق الوصفات الليبرالية الجديدة و "المتوحشة" . و حققت الحكومة السورية هذا التحول الكبير بوتيرة عالية وبأقل ما يمكن من ردود الفعل الجماهيرية. 
و من أهم سمات هذا التحول هو إنجاز السلطة لما يمكن أن نسميه "خصخصة" الطبقة المالكة السورية ، ولا سيما الشق الأساسي منها وهو القسم "البيروقراطي" الذي راكم ثرواته من خلال النهب والفساد بفضل احتكاره للسلطة السياسية ، وكان أقواها بفضل إضعافه لأقسام البرجوازية الخاصة منذ استلام البعث للسلطة عام 1963 ولغاية عام 1991 حيث بدأت بشكل خجول عملية تعزيز مواقع هذه البرجوازية الخاصة ، من جديد ، من خلال قانون الاستثمار رقم 10، مما سمح له بضخ أمواله واستثمارها مجدداَ في قطاعات التصنيع أو الخدمات أو التجارة ، ليصبح هو نفسه قسم تقليدي من أقسام البرجوازية الخاصة .
لهذا يمكن اليوم الحديث عن طبقة برجوازية خاصة سورية قوية متعددة الأقسام ولكنها طبقة سائدة ومالكة وحاكمة تشبه شقيقاتها في الدول الرأسمالية "المتخلفة" ، بل قد تبز بقوتها و ديناميتها شقيقاتها في دول عربية أخرى مثل مصر أو المغرب أو تونس ... 
لا يمكن فهم هذا التحول الكبير ، إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الطبقة البرجوازية السورية كانت – و ما تزال- بحاجة إلى سلطة قوية استبدادية لتحقيق هذه الصيرورة بالشروط التي وصفناها ( والصين نموذج آخر لاستخدام السلطة السياسية في إعادة بناء البنية الاقتصادية - الاجتماعية) . لأن سلطة قوية ومستبدة تسمح للبرجوازية الخاصة السورية بالاندراج في السوق الرأسمالية العالمية بمنافسة اقل وبشروط افضل ، من جهة. وبتكلفة اقل من الاحتجاجات الشعبية ، من جهة أخرى. وهذا الأمر ما يزال عصي على فهم بعض النخب المعارضة الليبرالية السورية التي انشغلت في السنوات الماضية في نحت مفهوم " الهوية" ليتوصل بعضها – في نهاية المطاف- إلى أن كل مواطن هو في جوهره "هوية طائفية و مناطقية" مما عنى عندهم أن العمل التحالفي السياسي المعارض "الليبرالي جدا" إنما يقوم على لم شمل "الهويات الطائفية والمناطقية" في تحالفات فضفاضة و/ أو مراهنة البعض الآخر منها على الوضع الدولي والإقليمي والقوى الإمبريالية وحلفائها الإقليميين كفاعل أساسي للتغيير "الديمقراطي " المنشود في سورية ، مع يقينها شبه الديني بالسقوط القريب للنظام السوري . 
و ما كان ، في الواقع ، لهذه النخب المعارضة "الليبرالية" المقموعة التي تنحدر غالبيتها العظمى من شرائح برجوازية وسطى وصغيرة ، شكلت في العقود الماضية العماد الأساسي للنشاط السياسي ومنها أتى طاقم السلطة السياسية منذ استلام البعث لها وإقامته لشكل من أشكال رأسمالية الدولة ، لتجد نفسها منذ نحو عقد في حالة تأكل" اجتماعي وتهميش وتضييق لدورها السياسي ، ما كان لها وهي التي عانت وتعاني الأمرين – ومنه الاعتقال التعسفي- من خلاف حقيقي وعميق مع السلطة( الليبرالية فعلاَ في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية) سوى قضية المشاركة السياسية . لكن ، و مع إثبات الوقائع المحلية والإقليمية والدولية مدى خطأ هذه النخب المعارضة "الليبرالية" في رهاناتها ، فإنها تجد نفسها حاليا في طريق مسدود. 
والحال ، فان الغائب الأكبر في سورية عن اهتمامات النخب الليبرالية الحاكمة أو المعارضة هو مصالح وهموم جماهير الناس الواسعة.


تفاقم الوضع الطبقي


لا تترد الحكومة السورية في الادعاء بان نسبة من يعيش "بأقل من دولار في اليوم لا تتجاوز 0.6 في المائة " كما ذكر عبد الله الدردري المشرف الرئيسي على تطبيق سياسات اعادة الهيكلة الليبرالية في سورية ، ولكنه يضيف بأن النسبة تصبح 10 في المائة إذا تحدثنا عن العيش بدولارين في اليوم – وهذا تحت خط الفقر المتعارف عليه دوليا- ونحن بدورنا نتساءل كم تصبح هذه النسبة ، إذن ، لو تحدثنا عن العيش بدولارين ونصف في اليوم ، مثلاَ؟
المعروف أن اكثر من ثلث سكان سورية يعيش تحت مستويات "خط الفقر" وهذا التدهور المعيشي يتفاقم مع عام 2008 الذي شهد "تحرير الأسعار ورفع الدعم" ، مع انتشار أحزمة الفقر حول المدن السورية ، وخصوصاَ إذا عرفنا أن نصف سكان سورية يقطنون في ثلاثة أكبر مدنها. و لكن ، لا نية للحكومة السورية أن تأخذ بعين الاعتبار البؤس والفقر الذي تدفع إليه جماهير واسعة من السكان.
فالدردري نفسه يقول رداَ على ذلك بأن لا خيار للحكومة السورية سوى " تعميق الإصلاح الهيكلي وتسريعه ومزيد من التحرير" ، معترفاَ في الوقت نفسه بأن " ظاهرة التفاوت بين الطبقات باتت أكثر بروزاَ"( جريدة الحياة 01.03,2008 ).
لقد أصبحت حصة القطاع الخاص و" رجال المال والأعمال (أي البرجوازية الخاصة) من الناتج المحلي الإجمالي من 63،4 %عام 2005 إلى 70 % عام 2007 " مما يدل بشكل قاطع على مدى قوة وجبروت الطبقة البرجوازية السورية الخاصة الذي وصلت إليه ، ولا سيما أنها تسيطر على 65 % من قطاع الصناعة و 75 % من القطاع التجاري ( صحيفة النور 9 /1/2008 ).
ولهذا لم تجد الحكومة من حرج في القول بأن " الأغنياء في سورية يزدادون غنى" ( الدردري ، الحياة ، 8/3/2008 ).

في مقابل هذه البرجوازية التي تحوز على 70% من إجمالي الناتج المحلي ، يقف العمال والمأجورون الذين لم يبقى لهم من هذا الناتج سوى الفتات.
الطبقة الأهم في مواجهة البرجوازية هي الطبقة العاملة السورية وهي طبقة شابة لأن نحو 30% منها له من العمر اقل من ثلاثين عاماَ ، وخبرتها النقابية والنضالية ما تزال أسيرة اتحاد نقابات العمال الملحق بالحزب الحاكم بشكل وثيق تحت شعار " النقابية السياسية بديلاَ للنضال المطلبي" منذ مؤتمره في أيلول / سبتمبر عام 1974 . 
ولكنها طبقة قوية عددياَ ، إذ تبلغ نحو خمسة ملايين عامل ، الثلث يعمل في القطاع العام والثلثين في القطاع الخاص ، علاوة على نصف مليون عامل سوري يعملون في لبنان يضاف على كونهم ضحايا لاضطهاد مزدوج تعرض العديد منهم لاعتداءات عنصرية.( المجموعة الإحصائية السنوية لعام 2007).


نمو نضالات الجماهير


بالرغم من هيمنة السلطة على النقابات ، لكن بيروقراطية اتحاد العمال تجد نفسها في مواجهة الإجراءات الليبرالية المتسارعة للحكومة ، في حالة توتر دائم ، تعرضت خلاله إلى ضغوط هائلة من السلطة لتمرير هذه السياسات في وسط العمال دون احتجاجات ، من جهة . والى ضغوط القواعد العمالية التي تعاني من تدهور يومي في مستوى حياتها ، من جهة أخرى. ولجأت في العديد من الأحيان إلى المذكرات والعرائض و حتى الإضرابات للتعبير عن غضبها ، وعلت أصوات نقابية غير معهودة لتندد " بالدور الجديد لوزارة العمل في سورية ضمن المفهوم الليبرالي يعكس بشكل واضح التحالف مع أرباب العمل بشكل مطلق". فطرحت الحكومة السورية " بدعة" جديدة وشعار جديد هذه المرة هو " أن الحكومة والنقابات فريق عمل واحد"! . لكن القواعد والكوادر العمالية الوسطى لم تعد تستطيع أن تخفي تململها المتصاعد. 
فقد جردت الحكومة اتحاد العمال من استقلاليته تحت مقولة النقابية السياسية وبحجة أن " اقتصاد الدولة هو اقتصاد اشتراكي" ، و كما ينص دستور سورية عام 1973 على أن " اقتصاد الدولة يسير باتجاه إقامة النظام الاشتراكي" بينما ترى جماهير العمال أن ما يحصل هو نقيض ذلك تماما، فهو انتقال سريع وشبه منجز لاقتصاد السوق بوصفاته الليبرالية الجديدة .
في الواقع ، لم تفعل القوى "الشيوعية " الرسمية المتحالفة مع السلطة شيئاَ يذكر في مواجهة تفاقم تدهور الوضع المعيشي للجماهير الواسعة بسبب السياسات الحكومية ، بالرغم من أنه معروف أن خطابها يقوم بالأخص على التركيز على "تحسين الوضع المعيشي للمواطنين" . ومن الطريف أن قدري جميل ،أحد قيادي هذه القوى الشيوعية الموالية ( اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ، واحد من انشقاقات الحزب الشيوعي السوري جناح بكداش) صرح بأنه في وجه " طرح موضوع رفع الدعم رفعت الأوساط الشعبية والنقابية البطاقة الصفراء ، وإذا أرادوا (يقصد الحكومة) الآن الاستمرار في هذا الموضوع سوف تتحول البطاقة الصفراء إلى حمراء" ( موقع سيريا نيوز ك2 / ديسمبر 2007 ) . وبالرغم من لغة التحذير الواضحة في هذا التصريح فان هذه القوى "اليسارية" الموالية لم تفعل شيئاَ يذكر ولم ير أحد من راياتها أمام استمرار الحكومة في رفع الدعم والأسعار سوى الرايات البيضاء.
لكن ، وبخلاف ما تعتقده النخب السورية فان جماهير المأجورين والمفقرين أثبتت نهوضاَ ملحوظاَ في نضالاتها ووعيها.
فقد أرسلت نقابة عمال النقل البحري والجوي في اللاذقية ، مثلاَ، مذكرة احتجاج بتاريخ 9/1/2008 احتجاجا على قيام الحكومة بتأجير جزء من ميناء طرطوس ونيتها تأجير جزء من ميناء اللاذقية ، وأشارت بشكل صريح ينم عن مدى اتساع حالة التململ في أوساط الطبقة العاملة السورية إلى " أننا كتنظيم نقابي ممثلين لعمال المرفأ .. نرفض هذا المشروع جملة وتفصيلاَ كوننا نرى فيه إجحافا بحقوق العمال وعليه نخشى فقداننا للسيطرة على ردة فعل عمالنا باعتباره يمس لقمة عيشهم" ( كلنا شركاء 26/1/2008). وفي مواجهة تعنت الحكومة في مشروعها لتأجير المرفأ قام عمال المرفأ بإضرابهم ( حوالي مائتي عامل) في 18/8/2008 بهتافات مثل " لا تأجير ولا استثمار ولا رجعة للاستعمار" .
وفي منطقة الضبية في ضواحي دمشق ، احتج غالبية سكانها في 17/1/2008 ، ويقدر عددهم بثلاثة آلاف ، على قطع الحكومة للكهرباء والمياه عنهم لدفعهم لإخلاء مساكنهم ، وقد قام المتظاهرون أيضا بإغلاق الطرقات وإحراق الإطارات ومصادرة صهاريج مياه الإطفائية لاستخدامها للشرب . وفي مواجهة قوى الأمن رفع المتظاهرون ، بحس عفوي ولكن ذو مدلول سياسي مذهل ورائع ، هوياتهم الشخصية " احتجاجاَ على المعاملة السيئة التي يعاملون بها".

وحصلت أيضا مواجهات بين جماهير منطقة الزبداني قرب دمشق وقوى الأمن في 25 أيار / مايو 2008 فقد قام السكان " بإغلاق الطرق العامة وإقامة السواتر الترابية وإحراق الإطارات" احتجاجا على قرار السلطات إقامة وحدة تنقية مياه الاسيقة وتحويل أحد منابع المياه دون الاهتمام بمصالح سكان المنطقة . وصرخ المحتجون " لن نتوقف حتى تجاب مطالبنا".( سيريا نيوز25/5/2008 ).

واليسار؟

لا يلقى تصاعد النقمة في أوساط النقابات العمالية وجماهير الكادحين حتى الآن صدى له ملموس لدى القوى السياسية التقليدية .
لكن نضال الجماهير اثبت انه في عدة قطاعات أكثر تقدما من العديد من هذه القوى السياسية التي تصف نفسها باليسارية . فالنضال العمالي المتنامي بدأ يشيع وعياَ لدى الطبقة العاملة السورية بأهمية أن يستعيد العمال استقلالية نقاباتهم عن الحزب الحاكم ، وان النضال العمالي وحده هو القادر على وقف تدهور مستوى حياتهم وتحقيق بعض مطالبهم ، وفي الوقت نفسه تتسع النضالات الجماهيرية "العفوية" للاحتجاج على الجحف الذي تتعرض له جماهير المأجورين والفقراء وتتراكم خبراتها النضالية من خلال التعلم مما استطاعت نضالاتها تحقيقه أو الإخفاق فيه . لكن سورية ، بلا شك، تفتقر إلى يسار اشتراكي نضالي يبنى من خلال النضالات الجماهيرية وداخلها ويسعى إلى توحيدها. وهذه هي المهمة الملحة والضرورية التي تستدعي كأولوية بناء هذا اليسار الاشتراكي الأممي ، و العمل على توحيد اليسار النضالي.
والمهم ، برأينا ، كخطوة أولى لتوحيد اليسار النضالي هي تحديد مكونات هذا اليسار ، ليس كما يوصف كل نفسه أو استنادا إلى ما كان عليه تاريخه أو النظرية التي يستند إليها . بل بالدرجة الأولى ، استنادا على ما هي عليه فعلاَ مواقفه وإجاباته اليوم على التحديات التي تطرحها الوقائع . 
المهمة قد تبدو شاقة وعسيرة ولكن لا طريق لليسار الاشتراكي الأممي من اجل بناء نفسه ونموه سوى التعلم والارتباط بنضالات جماهير بلادنا من أجل الحرية والكرامة والعدل والمساواة. 

Partager cet article
Repost0
4 décembre 2012 2 04 /12 /décembre /2012 20:44
وكالة الاناضول
باتت الأموال التي حولها رجال أعمال سوريون هاربون من نظام بشار الأسد إلى مصر حائرة بين الاستثمار في العقارات أو البورصة أو القطاع الصناعي، في حين فضل سوريون المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتجارة التجزئة كمجال لاستثمار أموالهم التي فلتوا بها من النظام السوري.
وقال خليل العجيلي، وهو ناشط سياسي سوري مقيم في مصر إن أكبر 10 رجال أعمال في سوريا وصلوا إلى مصر خلال الأيام الماضية، ولكن من الصعب الكشف عنهم.
أضاف أن معظم من ينتمون إلى الطبقة البرجوازية في سوريا فضلوا اللجوء إلى مصر، مؤكداً أن عشرات الملايين من الدولارات وصلت من سوريا إلى مصر ولكن لا يمكن حصرها بدقة.
وقال إن ثلث الاقتصاد السوري انتقل إلى مصر بعد الثورة في سوريا، لكن لا يوجد مصادر محايدة تؤكد هذه الأرقام أو تنفها، مضيفاً أن كبار جال الأعمال السوريين فضلوا الاستثمار في البورصة أو إيداع أموالهم بالبنوك المصرية لحين وضوح الرؤية وضخها في استثمارات.
وتقدر الاستثمارات السورية داخل مصر بما يتراوح بين 400-500 مليون دولار، في حين يقدرها آخرون بأكثر من ذلك ،خاصة أن السوريين باتوا يتعاملون بغزارة مع البنوك المصرية من حيث الإيداعات وفتح الحسابات.
وقال نزار الخراط، رجل أعمال سوري ورئيس اللجنة التنسيقية للثورة السورية في مصر ورئيس مؤسسة البيت الدمشقي إن هناك عددا كبيرا من رجال الأعمال والمستثمرين السوريين الذين جاؤوا إلى مصر بعد اشتداد قصف الجيش النظامي السوري لهم ولمصانعهم وأعمالهم.
وأوضح الخراط أنه يتم حاليا تأسيس تكتل اقتصادي يجمع بين رجال الأعمال السوريين في مصر وهم أغلبهم من حلب.
وقال باسل الكويفي ( الصورة) ، مستثمر سوري بمصر ورئيس الغرفة التجارية السابق بدمشق وعضو المجلس الانتقالي السوري إن أعداد رجال الأعمال السوريين والمستثمرين الذين قدموا إلى مصر تضاعف خلال الثلاث أشهر الأخيرة.
أضاف أن معظم المستثمرين السوريين بالقاهرة اتجهوا لافتتاح مشروعات صغيرة ومتوسطة ليضعوا فيها أموالهم التي جاؤوا بها من بلدهم، مقدراً عدد رجال الأعمال السوريين الذين وصلوا إلى مصر بـ30% من أعداد رجال الأعمال الذين فروا من سوريا والبالغ عددهم حوالي 50 ألف مستثمر.
وأضاف الكويفي أن كبار المستثمرين السوريين اتجهوا إلى الاستثمار في البورصة المصرية وبعض دول الخليج وأوروبا، موضحاً أن المستثمر السوري يفضل اللجوء إلى مصر لسهولة إجراءات الدخول والخروج منها وسهولة الحصول على إقامة، بالإضافة إلى توافر الأيدي العاملة الرخيصة والطاقة.
وأشار إلى أن معظم المستثمرين السوريين الذين وصلوا إلى القاهرة من الطبقة المتوسطة والممتازة أيضا، وأن هناك عددا المليارديرات السوريين اتجهوا إلى دول مجاورة وخاصة التابعين لنظام الأسد.
وأضاف الكويفي أن هناك عددا كبيرا من السوريين أقاموا مشروعات جديدة في مصر مثل المطاعم والمقاهي وورش الخياطة والصناعات النسيجية،كما أقبل عدد من اللاجئين السوريين على فتح حسابات لهم بالبنوك المصرية لإيداع الأموال التي انتقلوا بها من بلدهم أو استقبال حوالات من حساباتهم من بنوك خارج سوريا.
وقال خلدون الموقع رئيس مجلس الأعمال السوري المصري في تصريحات صحافية منذ أيام إن مجموعة من رجال الأعمال السوريين، بدأوا ضخ استثمارات جديدة في السوق المصرية تتجاوز 500 مليون دولار في مجالات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والخيوط والأقمشة في العديد من المدن الصناعية المصرية.
وأكد أحمد غنام عضو غرفة الصناعة بدمشق والقيادي السوري اللاجئ في مصر أن هناك أعدادا كبيرة من السوريين وصلوا إلى مصر مع زيادة قصف قوات الأسد لهم.
وأوضح غنام أن السوريين في مصر يتركزون في مدينة 6 أكتوبر غرب القاهرة والرحاب شرق القاهرة، خاصة من ذوى الملاءة المالية والطبقة المتوسطة ويتواجد الحرفيون منهم في منطقة عين شمس خاصة الذين يعملون في القطاعات النسيجية.
وقال إن هناك عددا من السوريين أقام مشروعات غذائية في منطقتي المهندسين و6 أكتوبر وتتكلف هذه المشروعات ما بين 500-600 ألف جنيه.
وأكد غنام أن المستثمرين من رجال الأعمال الكبار اتجهوا للاستثمار في البورصة المصرية لحين استقرار أوضاع الاقتصاد الكلي.
وأشار إلى صعوبة تحويل الأموال من داخل البنوك السورية إلى الخارج بسبب منع السلطات النقدية ذلك، لذا فإن معظم الأموال جاءت إلى مصر إما تم نقلها نقدا أو عن طريق تحويلات خاصة من البنوك اللبنانية.
ومن جانب آخر أكد عدد كبير من مديري الفروع بالبنوك المصرية عن زيادة كبيرة في حسابات السوريين سواء بمبالغ ضخمة أو متوسطة سواء عن طريق إيداعها أو استقبالها في حساباتهم عن طريق حوالات من الخارج.
وقال عبدالعزيز الصعيدي، مدير عام فرع بنك الشركة المصرفية العربية الدولية إن معظم البنوك رصدت تزايداً في حسابات السوريين بالبنوك المصرية.
وأوضح أن هناك تسهيلات من جانب البنوك في فتح حسابات للاجئين السوريين، حيث لا يشترط البنك أوراق الإقامة لفتح حساب للسورى المقيم في مصر.
وأضاف الصعيدى أن معظم الأموال يتم إيداعها نقدا أو استقبالها عن طريق حوالات من بنوك خارجية مثل بنوك لبنان والسعودية.
وكشفت الأرقام الصادرة عن هيئة الاستثمار السورية تراجع عدد المشاريع القائمة في سوريا في الفترة من أول يناير 2012 حتى نهاية سبتمبر من نفس العام بنسبة 74%، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2011 نتيجة الأحداث التي تمرُّ بها سوريا والعقوبات الاقتصادية المفروضة على مجمل قطاعاتها.

 

Partager cet article
Repost0
3 décembre 2012 1 03 /12 /décembre /2012 17:05

اضراب العزة بدأ من هنا.....حماة تكابر على الجرح وتستمربسلميتها 


 
 
 
 
تابعت محافظة حماة تجسيدها للثورة السلمية التي اتبعتها منذ عدة أشهر من خلال الالتزام بإضراب العزة الذي بدأ أمس السبت، ليرد النظام بطرقه الهمجية المعهودة من تخريب واعتداء على الممتلكات الخاصة للمواطنين.
وأظهر أهالي المدينة التزاماً تاماً بالإضراب الذي أعلنه اتحاد ثوار حماة يوم أمس، الأمر الذي دفع النظام إلى تكسير أقفال جميع المحلات التي وقعت عليها أعين الشبيحة إضافةً إلى سرقة ما يمكن حمله من ممتلكات.
و كانت المدينة التي تعاني من حصار أمني خانق قد شهدت انسحاب أغلب عناصر الجيش الحر منها والتحاقهم بنظرائهم في المدن الأخرى منذ مدة، وذلك بسبب تدفق اللاجئين إليها من عدة محافظات وعدم توفر سبل الإمداد العسكري الأمر الذي كان يؤدي إلى عدم صمودهم سوى بضعة أيام والانسحاب في مواجهة الترسانة العسكرية للنظام.
وعادت المدينة تدريجياً إلى ركب الثورة مفضلةً الاستمرار بالمظاهرات اليومية و مناورة الحواجز العسكرية بين الحين والآخر، وهو الأمر الذي أفقد النظام عقله، لعدم قدرته على ضبط المدينة التي شهدت مظاهرات سلمية مليونية في وقتٍ سابقٍ من العام الماضي، قبل أن يجبر اقتحام المحافظة التي تقع في وسط سوريا بعض أبنائها إلى التسلح.
وتعاني مدينة أبي الفداء -كما يحلو لأهلها ان ينادوها- من ظروف إنسانية سيئة للغاية نتيجة التضييق الذي فرضته القوات الحكومية عليها، حيث تشهد انقطاعاً شبه دائم للكهرباء، حيث قد تصل فترة توفرها من 4 إلى 12 ساعة يومياً في أفضل الأحوال، هذا بالإضافة إلى قلّة الغاز والخبز والمواد الغذائية والطبية الأساسية.
يذكر أنّ حماة لها حساسية خاصة لدى النظام ودول العالم المهتمة بالثورة السورية المندلعة منذ سنة وتسعة أشهر تقريباً بسبب ما شهدته من مجازر في عهد الأسد الأب، وتجمّع أكبر عدد من المتظاهرين المنادين بإسقاط الأسد فيها بدايات الثورة، حين كانت ساحة العاصي الشهيرة تموج بمئات الآلاف من المناهضين للنظام.


Partager cet article
Repost0
30 novembre 2012 5 30 /11 /novembre /2012 11:47

من أجل بناء اليسار الاشتراكي المناضل

 بقلم: غياث نعيسة أكتوبر 2006

 

الاصدار: أوراق اشتراكية الناشر: مركز الدراسات الاشتراكية

 

 إذا كانت كلمة يسار، بالمعنى العام والأدنى لها، تعني اليوم الاهتمام بالعدالة الاجتماعية ودوراً تدخلياً اكبر للدولة ،واحتجاجاً على مساويء النظام العالمي (العولمة الليبرالية الجديدة)، فإن البعض من مناضلي اليسار يسعى إلى إعادة قراءة أكاديمية للماركسية ، أو إعادة تعلمها أو إعادة النظر بها ..الخ. بيد أن مناضلي اليسار الاشتراكي النضالي ، بالرغم من نشاطهم في هذه الهيئات الاجتماعية أوتلك، لايزالون مشتتين . ما نريد طرحه لاحقاَ ،بشئ من التبسيط ، هو رؤية اشتراكية نضالية – أو إطار فكري عام وأساسي- تسمح بتحديد الرؤية الفكرية والسياسية التي يمكن أن يلتف حولها هؤلاء المناضلون ، وتسمح-لمن يتفق عليها- بالنضال المشترك وبناء "حالة" اشتراكية ثورية. هذه المباديء ليست من بنات أفكارنا وحدنا، إنها خبرة النضالات لآخرين في بلاد عديدة، وهي القواسم المشتركة لليسار الاشتراكي النضالي على الصعيد العالمي. هذه الأوراق هي إذن بمثابة دعوة للعمل المشترك من أجل بناء اليسار الاشتراكي النضالي ، على طريق بناء الحزب العمالي الاشتراكي.

 

 رؤية اليسار الاشتراكي النضالي

 

مر أكثر من عقد من الزمان على سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي ودول أوربا الشرقية. تم خلال هذه الفترة وصف تلك التجارب الدكتاتورية القميئة بكلمة "الاشتراكية". وتعرضت فكرة "الاشتراكية" إلى حملة شرسة من الإفتراءات والأكاذيب والتضليل . وسادت أيديولوجية الرأسمالية الظافرة، ومقولات أن الرأسمالية هي التاريخ المنجز للبشرية، ونهاية المطاف، ولا يمكن تجاوزها. وألقى العديد من "الماركسيين" السابقين وغيرهم، ممن كانوا يرون -والبعض لايزال- في تلك التجارب "اشتراكيات قائمة"، بالفكرة الاشتراكية إلى "مزبلة التاريخ" أو دفنوها ، وغَّير كثير منهم معاطفه للتحول إلى ليبراليين جدد. لكننا ننتمي إلى ذلك القسم من الاشتراكيين الذين لم يروا في تجارب الستالينية وأشباهها ودولها الدكتاتورية نموذجاَ للاشتراكية، بل رأينا في انهيارها انهياراً لأنظمة شمولية ومستبدة قامت على استغلال وقمع الطبقة العاملة والكادحين، كما هو الحال اليوم في الصين وكوريا الشمالية وكوبا. وبالتالي فالنضال اليوم من أجل الاشتراكية يقوم على النقيض منها. تمتد جذور الاشتراكية التي نتبناها إلى الثورات العديدة التي حصلت في القرنين الماضيين. من كومونة باريس 1871 والثورة الروسية 1917 والثورتين الألمانية والمجرية 1918 ، وإنتفاضات فرنسا 1968 وايطاليا 1969 وايران 1979 وإندونيسيا 1998 والأرجنتين 2001 وغيرها. وصولاَ إلى نضالات مناهضة العولمة الرأسمالية ومناهضة الحروب الإمبريالية. إنها الاشتراكية التي تقوم وتستند على كفاح العمال والمأجورين والمهمشين والمضطهدين من أجل التحرر من الاستغلال والاضطهاد، وعلى قدرتهم-هم أنفسهم- على التغيير الجذري من أجل بناء "عالم أفضل ممكن". وهي ليست مجرد أمنية طيبة أو طوبى رومانسية، بل هي إمكانية واقعية طالما يسود العالم نظام رأسمالي يقوم على مركزة الثروات والسلطات في يد حفنة من الرأسماليين على حساب غالبية من البشر الكادحين والمأجورين والمفقرين والمضطهدين. وإذا كانت الحياة -والواقع- يأتيان كل يوم بجديد ، فإن الأسس العامة- وبإختصار شديد- للاشتراكية التي نتبناها هي:

 

الرأسمالية نظام يعمل لمصلحة الأقلية المترفة في مواجهة مصلحة الأغلبية الكادحة

 

يقوم النظام الرأسمالي ، في جوهره، على الاستغلال وعلى نهب فائض القيمة من عموم العمال والكادحين ، ومصدر ثروة الأغنياء الطائلة هو قوة عمل وبؤس الفقراء . وتتراكم الثروة في جانب والفقر والجوع والبؤس في جانب اخر . وليست الليبرالية الجديدة التي بدأت تشهدها بلادنا سوى الشكل الأكثر توحشاَ لهذا النظام الرأسمالي العالمي . وهي نتاج أزمته ومحاولة وضع تكاليف هذه الأزمة ، مرة أخرى ، على كاهل الفقراء والمأجورين.

 

لا يمكن إصلاح الرأسمالية من داخلها

 

لاتزال لأفكار الإصلاحية سوق رائجة ، الكثير يتحدث عن التغيير وبعض الإصلاحات. ولكنهم منغمسون أساسا باستلام السلطة السياسية أو المشاركة فيها ، مع الحريات العامة ام لا، لكنهم يتفقون في الجوهر على نفس السياسات "الليبرالية" وإطلاق العنان لهمجية السوق. لكننا نعلم أن عصر الإصلاحات قد أفل ، وأن كلمة "الإصلاح" قد اختطفها غلاة الرأسماليين أو المسؤولون السابقون و"الراهنون"، وأصبحت على أيديهم تعني حرية السوق، ورفع دعم الدولة للمواد المعيشية الأساسية. إن من يدعو للإصلاح إنما يسعى لتجميل وديمومة نظام يقوم على الاستغلال والقمع. لأنه حتى أبسط الإصلاحات تحتاج إلى ثورة من أجل تحقيقها. في السابق كانت الرأسمالية الصاعدة تعطي الأرض لمن يفلحها ، وهي

اليوم تنتزع الأرض من الفلاحين لصالح كبار ملاكي الأراضي. ولتحقيق مصالح غالبية الكادحين فإنها فقط ثورة جماهيرية من أسفل يمكنها أن تحقق مطالب وآمال المضطهدين .

 

 الثورة الجماهيرية من أسفل ممكنة وضرورية

 

لا يمكن أن يحصل التغيير الجذري الحقيقي على يد أقلية مختارة أو بإنقلابات القصور أو الجيوش أو بوصول مستبد عادل للسلطة. التغيير الجذري المنشود لن يحدث إلا على يد الجماهير . وحده نضال الجماهير الجماعي والديمقراطي من أسفل هو الطريق إلى تحررها. وإذا كانت الرأسمالية تمتلك جهاز الدولة والقمع ، فالكادحين يملكون القدرة على النضال كاغلبية كاسحة لها مصلحتها في القضاء على نظام الاستغلال والقهر. ولأن الكادحون يملكون القدرة على تسيير الة الاستغلال الرأسمالي فإنهم يملكون القدرة على ايقافها ، وعلى الشروع في بناء عالم جديد. وتشكل الثورة صعود المأجورين والكادحين إلى مقدمة مسرح التاريخ ، وهي ذروة النضال الجماهيري من أسفل. والثورة تعني امساكهم لمصيرهم بايديهم وادارتهم المباشرة والديمقراطية لشؤون حياتهم. إنها الديمقراطية الأكثر جذرية.

 

الطبقة العاملة هي الطبقة القائدة للنضال الثوري

 

مما لا شك فيه أن الثورة ستكون عيداَ لكل المفقرين والمضطهدين. لكن من بينهم ، وفي عالمنا المعاصر، توجد طبقة واحدة قادرة على قيادة معسكر المضطهدين والمستغلين إلى النصر، إنها الطبقة العاملة. والطبقة العاملة ليست فقط عمال المصانع وإنما كل العاملين بأجر والخاضعين لسيطرة وسلطة رأس المال، سواء أكان عملهم في مصنع أم في أي مؤسسة إنتاجية أو خدمية أخرى. هذه الطبقة، بحجمها الهائل وبتنظيمها وحداثتها ومصالحها، قادرة على دخول الصراع إلى النهاية، وقادرة على شل حركة الرأسمالية ومصادر أرباحها ، لذلك فهي قادرة على تحقيق النصر لمعسكرها. فأغلال الرأسمالية يجب أن تحطم حيث توجد، أي في نظام استغلال العمل المأجور.

 

دولة العمال والكادحين هي الهدف المنشود

 

لن تتكلل الثورة بالنصر، إذا ما أزيح حاكم رأسمالي ليحل مكانه حاكم رأسمالي آخر. فانتصار الثورة له معنى واحد فقط هو نهاية كل أشكال الاستغلال والقهر والاستبداد. ينبغي أن يكون هدف الثورة هو تحطيم جهاز الدولة الرأسمالي وإقامة ديمقراطية عمالية. دولة العمال هي دولة الديمقراطية المباشرة حيث يشارك الكادحون، من خلال مجالسهم العمالية المنتخبة في كل موقع ومكان، في تقرير مصيرهم وفي إدارة المجتمع بموارده وثرواته سياسياَ واقتصادياَ.

 

 لا بد للثورة من أن تحرر كل المضطهدين والمقهورين

 

الثورة ليست عملاَ جزئياَ ، بل هي تحرير شامل وكلي . فلا بد للنضال العمالي الظافر أن يتبنى مصالح كل المضطهدين والمقهورين. ولا بد من مواجهة حازمة لكل أشكال تقسيم الطبقة العاملة على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو اللون. والطريق الوحيد لذلك هو النضال العمالي الاشتراكي الحازم من أجل تحرر المرأة والقوميات (ونخص هنا الحقوق القومية للشعب الكردي وغيره من الأقليات القومية) والأقليات المضطهدة من كل صنوف التمييز و الظلم والقهر والهيمنة، والدفاع عن مصالحها وحقوقها في المساواة الكاملة. الاشتراكية الحقة هي التي تحرر كل المظلومين.

 

لا توجد اشتراكية في بلد واحد

 

النضال من أجل الاشتراكية هو جزء من نضال عالمي. فالنظام الرأسمالي سلسلة واحدة منتظمة في سوق عالمي واحد. لا يمكن أن تحيا وتستمر ثورة اشتراكية في بلد واحد، لذلك فإن الثورة العالمية ليست ترفاَ أو عملاَ ثانوياَ، بل هي في الصميم من الإستراتيجية الثورية الظافرة. فإنتشار الثورة، وأساس إمكانيته هو وحدة العالم ووحدة أزمته. وهو لا بد أن يكون هدفاَ اصيلاَ لأي نضال ثوري محلي. والأممية الثورية هي الرد المنطقي الوحيد على مخططات مجالس إدارات العالم في قمة الثمانية ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من المؤسسات الرأسمالية العالمية.

 

الحزب الاشتراكي العمالي النضالي ضرورة للتغيير

 

بالتأكيد الثورة ليست نزهة ، فالطبقة الحاكمة موحدة ومنظمة. ويشكل جهاز الدولة عقلاَ وجهازاَ إدارياَ رفيع المستوى للحكم. لذلك فإن نضالات الجماهير الكادحة بحاجة إلى عقل وإلى ذاكرة وجهاز تنظيمي منغرس داخلها، ينخرط في مقدمة نضالاتها، ويقف ضد تفاوتات وعيها وتذبذب حركتها. الحزب العمالي الاشتراكي النضالي والمستوعب لخبرة التاريخ ولخبرة طبقته هو من يستطيع أن يقوم بهذه المهمة. هكذا حزب لا يأتي من السماء، بل يبنى بالكفاح الدؤوب والصبر والعمل. ولا بد أن يكون بناؤه هدفاً لكل مناضل من أجل العدل والحرية .. من أجل الاشتراكية.

 

 النضال ليس سهلاَ ولكنه اليوم ممكن

 

يعج عالمنا اليوم بإمكانيات كبيرة للمناضلين من أجل العدل والحرية لأننا نعيش عصر الاستقطابات في أعلى صوره. فقد بدأت الليبرالية الجديدة في الكشف عن وجهها القبيح، وأظهرت إمبريالية ما بعد الحرب الباردة أنيابها. وبدأت تتبدد كل أوهام مطلع التسعينيات، فالسلام إلإمبريالي ذهب ادراج الرياح مع الحروب الإمبريالية المتواصلة. والاستقرار الرأسمالي تحول إلى مزحة سخيفة، فبلدان النمور بدأت تعاني الأزمات، وانهار اقتصاد الأرجنتين، ولم نشهد ازدهارا اقتصاديا شاملا من نوعية الذي صاحب نهاية الحرب العالمية الثانية ...الخ. في المقابل، نرى اليوم الصعود البارز لحركات مناهضة العولمة الرأسمالية والحروب الإمبريالية، والصعود الملحوظ لحركات التحرر الوطني. وإذا كانت منطقتنا اليوم ساحة لليبرالية الجديدة بكل همجيتها وميداناً لتعزيز الهيمنة الإمبريالية الأمريكية عالمياَ. فإنها أيضا تغلي بحمى التغيير. والمنطقة مقبلة على زلازل. في هذا السياق ،فإننا نرى بأن على النضال الجماهيري من أسفل، والاشتراكية كبديل، أن يحفرا لنفسيهما طريقاَ وأن يكسبا مواقعا. وهذا أمر ممكن وهو أيضا ضروري ، وشرطه هو الانخراط في النضالات اليومية ورفع راية التحرر والاشتراكية في كل ساحة ومجال.

Partager cet article
Repost0
30 novembre 2012 5 30 /11 /novembre /2012 11:33

 

 مصر : لا لقرارات الاستبداد والاتجار بالثورة والشهداء

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الاشتراكيون الثوريون - مصر

 

اليوم سقطت كل الأقنعة التي تاجر بها مرسي وجماعة مدعي الثورة، والذين لم تكن الثورة لهم سوى مطية للوصول لكرسي الحكم، فهم وفلول مبارك وجهان لعملة واحدة هي الاستبداد والعداء للشعب، فبإسم الثورة أصدر مرسي إعلانا دستوريا ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.

إذ بدأه بإعادة فتح التحقيق في قضايا قتل الثوار (الذين سقط العشرات منهم في ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء بعد غض طرف الإخوان عنهم) وعزل النائب العام الذي طالبنا بعزله منذ قيام الثورة كجزء من النظام القديم ذلك النظام الذي مازال مرسي يحتفظ بمعظم قيادته (مثل وزير الداخلية الحالي) ويصحب رجال أعماله على طائرته في كل سفرياته للخارج.

ثم انتقل الإعلان بعد ذلك للهدف الحقيقي وهو تحصين قرارات الرئيس منذ إنتخابه ولحين إنتخاب مجلس شعب جديد وكذلك تحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية الهزلية التي إنسحب منها كثير من أعضائها في الأيام الأخيرة، والتي لا تمثل ملايين المصريين وتم تشكيلها في أحد الفنادق بالتقسيم بين الإخوان والسلفيين وأحزاب العهد البائد، ولم تهتم بالحقوق الاقتصادية والإجتماعية للمصريين قدر الاهتمام بسن الزواج للفتيات وإلغاء قانون الخلع وتوسيع سلطات رئيس الجمهورية.

كما منح الإعلان مرسي الحق في اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة أي مخاطر تواجه البلاد أو الثورة أو الوحدة الوطنية أو الأمن.

وله نقول من يمثل الخطر الحقيقي على الثورة هو أنت وجماعتك الذين ارتموا في أحضان رجال أعمال مبارك ولهثوا وراء قروض صندوق النقد، وتاجروا بالدين فهددوا الوحدة الوطنية، وباعوا الثورة فغاب عن قاموسهم شعار العدالة الإجتماعية وتناسوا الحدين الأدنى والأقصى للأجور، ورفعوا الأسعار وتركوا الفقراء يأكلون الطوب ليظلوا محتاجين لزجاجة الزيت وكيلو اللحم قبل الانتخابات.

لن نقبل فرعونا جديدا، ولن تنجح محاولة تثبيت حكومتك المرتعشة التي دهست عشرات الأطفال بالإهمال، وقتلت وأصابت مئات الشباب بالرصاص والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع، واعتقلت المئات بعد الضرب المبرح والتعذيب المستمر من كلاب الداخلية. كما لن نقبل أن يعود الفلول إلى المشهد الثوري تحت ذريعة "كلنا" ضد الإخوان.. وبالتالي فنحن لا نقبل أن نعمل مع كل من وضع يده في يد الديكتانور المخلوع لأنه ببساطة تواطأ وخان وشارك في نهب وقتل خيرة أبناء هذا الشعب لسنوات طويلة، وندعو رفاق المسيرة الثورية إلى التراجع عن المضي قدما في لعبة خلط الأوراق الجارية الآن على قدم وساق.

والاشتراكيون الثوريون اليوم يدعون الشعب الثائر لإنقاذ ثورته التي سرقها حلف الإخوان وبقايا نظام مبارك، لنخرج لكل ميادين التحرير مجددين هتافنا: عيش – حرية – عدالة اجتماعية ونطالب:

1. إلغاء الإعلان الدستوري المكمل المرسخ للاستبداد وحكم الفرد

2. إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية بما يضمن تمثيل جميع فئات المجتمع مثل العمال والفلاحين والموظفين والمهنيين والنساء والأقباط والنوبيين وأبناء سيناء والصعيد والصيادين وغيرهم

3. إقالة حكومة قنديل الفاشلة وتشكيل حكومة إئتلاف ثورية تقود المرحلة لحين الانتهاء من الدستور وإنتخاب مجلس الشعب

4. السير بخطوات جادة على طريق العدالة الإجتماعية مثل : تحقيق الحدين الأدنى 1500 جنيه والأقصى للأجور، مصادرة أموال وشركات الفاسدين من رجال أعمال مبارك لصالح الشعب، فرض ضرائب تصاعدية على الدخل، واسترداد الشركات التي بيعت في صفقات فاسدة بحكم القضاء وإلغاء سياسات الخصخصة

5. كل السلطة والثروة للشعب

الاشتراكيون الثوريون

22 نوفمبر 2012

 

 


Partager cet article
Repost0